الجمعة، 2 يناير 2015

ملخص كامل لمادة الحقوق العينية (القانون المدني)


حق الملكيه:

هو سلطة مباشرة لشخص على شئ مادي معين بالذات تخوله كل منافع او مزايا هذا الشئ من إستعمال و إستغلال و تصرف.

خصائص حق الملكيه:

تتميز الملكيه بثلاث خصائص:

1.     أنها حق مطلق.

2.     أنها حق دائم.

3.     أنها حق إستئثاري.

1.    الملكية حق مطلق:

إختلف الفقه القانوني في تحديد الإطلاق و سنذكر الآراء ثم الرأي الراجح:

1.     ذهب البعض إلى أن معنى الإطلاق هو أن المالك يستطيع أن يستعمل سلطاته على الشئ دون قيود حتى و ان أضر بالغير في إستعماله.

لكن هذا الرأي منتقد على أساس أن حق الملكيه له وظيفه إجتماعيه لا يقتصر أن يستفيد المالك به و إنما المجتمع أيضا و لا مانع إذن من وضع قيود عليه اذا كان ذلك في مصلحة المجتمع و من هنا جاءت القيود التي سوف ندرسها بعد ذلك بخصوص مصالح الجيران التي يجب عدم الإضرار بهم و كذلك عدم التعسف في إستعمال الحق إلى آخر هذه القيود.

2.     وذهب رأيا آخر في أن معنى الإطلاق ان هذا الحق يحتج به أمام الجميع و يجب إحترامه من الكافه بمعنى أنه لا يستطيع أحد أن ينكر أو يعتدي عليه.

هذا القول صحيح ولكن لا يختص به حق الملكية وحده و إنما جميع الحقوق، لذلك و مادمنا نحدد خصائص حق الملكيه بالذات فلا يجوز ان نطلق عليه صفة تنطبق على جميع الحقوق دون تفرقه.

3.     ذهب رأيا ثالث و هو الصحيح ان وصف الإطلاق يعني أن هذا الحق يجمع كل السلطات الممكنة على الشئ و لا يتصور أن ترد سلطة أخرى على الشئ غير ذلك، ولكن هذا لا يعني أن هذه السلطات مطلقه و انما يجوز تقييدها سواء لمصلحة الدوله أو لمصلحة الأفراد و هو ما سنراه في الإستيلاء الإداري على بعض الأراضي أو المباني للمصلحة العامة و كذلك مانراه فيما يسمى الشرط المانع من التصرف.

2.    الملكية حق دائم:

1.     ذهب رأي اول إلى أن دوام حق الملكية يعني بقائه طالما محله باقيا بمعنى أنه لا ينتهي إلا بفناء الشئ الذي يرد عليه، صحيح ان الحق ينتقل الى الغير على نفس الشئ و لكن لا ينتهي و انما ينتقل.

ولكن هذا الرأي انتقد في المنقولات حيث ينتهي حق الملكيه في المنقول بالتخلي عنه حتى و لو بقي قائما اما في العقار فدائما له مالك اما من الافراد او الدولة التي مالكة لما لا مالك له، لكن هذا نص قانوني ولولا هذا النص لانتهت الملكية بالتخلي عن العقار.

2.     ذهب رأي آخر الى أن صفة الدوام في الملكية تعني أنه لا يسقط بعدم الإستعمال فمهما مضى من الزمن لعدم إستعمال المالك لملكه فان ملكه لاينتهي، هذا صحيح لكن إذا استعمل الغير الشئ الذي تركه مالكه دون إستعمال يصبح هذا الغير مالكا و تنتهي ملكية الأول.

3.     الرأي الصحيح أنه لا يقبل التوقيت اي أنه لا يجوز للشخص ان يتملك الشئ لمدة زمنية محددة و انما الأصل ان تكون الملكية دائمة و هذا المعنى لا يتنافى مع الأمور الآتية:

1.           اشتراط البائع الإحتفاظ بملكية الشئ المبيع لمدة محددة تنتقل بعدها الملكية الى المشتري.

2.           بقاء ملكية العقار للبائع بالرغم من إبرام عقد البيع الى حين تسجيل هذا العقار.

3.           الملكية الأدبية أو الفنية المؤقته.

4.           الملكية المعلقة على شرط فاسخ.

5.           ملكية المستأجر للمنشآت التي يقيمها على الأرض المؤجرة له و التي تنتهي بإنتهاء عقد الإيجار.

3.     الملكية حق إستئثاري:

يقصد به أمرين: (1) أنه حق جامع ، (2) أنه حق مانع.

1.     ويقصد بكلمة جامع أن هذا الحق يجمع كل السلطات و المنافع المتصورة من الشئ لمالكه حيث لا يمكن أن نتصور أن هناك سلطة رابعة على الشئ و انما سلطات ثلاث، بإستعماله و استغلاله و التصرف فيه و لكن هذا لا يعني ان هذه السلطات مطلقه من كل قيد و انما يمكن تقييدها اما بإرادة المالك نفسه أو بحكم القانون فيمكن للمالك ان يمنح الغير بعض سلطاته على ملكه كأن يمنح الغير حق الإنتفاع أو حق الإستعمال أو سكنى المنزل سواء بمقابل أو بغير مقابل كما يمكن أيضا ان يقيد نفسه لصالح الغير بعدم التصرف في ملكه مدة معينة و من جانب آخر فإن القانون نفسه يمكن أن يفرض قيدا على سلطات المالك لصالح الغير و لو رغم إرادته و من ذلك مثلا حق الارتفاق بالمرور على أرض المالك لصالح الجار إذا كانت أرضه محبوسه عن الطريق العام.

و طالما أن حق الملكية جامع لكل السلطات لمالك الشئ فإنه إذا ادعى شخص آخر أنه له سلطه على ملك الغير وجب عليه إثبات ما يدعيه لانه يدعي خلاف الأصل وفقا لقواعد الإثبات.

2.     أما كونه حقا مانعا فمعناها أنه يمنع الغير من مشاركة المالك فيما يملك وهذه نتيجة منطقية لكون هذا الحق جامع كما ذكرنا بخاصية أنه حق جامع، و يترتب على ذلك انه لا يمكن أبدا أن يثبت لشخصين حق ملكيه على شئ واحد و في وقت واحد حيث ستتعارض سلطاتهما على هذا الشئ، و انما لا تحول هذه الصفه دون أمرين:

1.     الأمر الأول: وجود الملكية الشائعة لأكثر من شخص على شئ واحد لان هذه الملكية تكون بنسب معينة على الشئ و لا تعارض بينهما.

2.     الأمر الثاني: ملكية الشخص الإعتباري الذي يتكون من عدة أشخاص كالشركات و الجمعيات لشئ واحد لأن الملكية تكون بإسم الشخص الإعتباري و ليس بإسم أعضائه.

و الحقيقه أن هذه الصفه تكاد تكون تكرار للصفه الأولى و هي صفة الإطلاق كما ذكرنا سابقا.

مضمون حق الملكية:

يقصد بمضمون حق الملكية السلطات التي يخولها هذا الحق لصاحبه على الشئ الذي يملكه و هي سلطات ثلاث:

(1) سلطة الأستعمال.    (2) سلطة الإستغلال.   (3) سلطة التصرف.

1.    سلطة الإستعمال:

يقصد بها القيام بجميع الأعمال المادية اللازمة للحصول على منافع الشئ حسب ماتسمح به طبيعته مثل قراءة الكتاب أو سكن المنزل أو لبس الثياب أو ركوب السيارة...الخ.

و الأصل أن يتميز استعمال الشئ عن إستغلاله و سنوضح فيما بعد ان الإستغلال يعني الحصول على ثمار الشئ و لكنهما قد يختلطان معا و مثل ذلك ان يكون الشئ محل الملكية أرضا زراعية فإن إستعمالها يكون عن طريق زراعتها و لكن هذه الزراعه تؤدي الى الحصول على ثمار هذه الأرض و حينئذ يكون أخذ هذه الثمار بما يكفي لحاجة المالك و اسرته استعمالا للأرض اما مايزيد من الثمار على ذلك فهو إستغلال لها.

كما أن الإستعمال يختلف من حيث الأصل عن التصرف المادي في الشئ بتغييره أو اتلافه أو فقده و لكنهما قد يختلطان و يتحقق ذلك بالنسبة للأشياء التي تهلك بمجرد إستعمالها مثل الأطعمه و الأشربه و النقود لان استعمال هذه الأشياء يؤدي الى استهلاكها.

و اذا كان للمالك أن يستعمل الشئ على النحو المذكور فيمكنه ألا يستعمله سواءا بصفة مؤقته أو بصفه دائمه فيتخلى عنه و يصبح مباحا.

2.     سلطة الإستغلال (الإنتفاع):

يقصد بها القيام بالأعمال اللازمة للحصول على ماينتجه الشئ من ثمار.

و الثمار هي كل ما ينتج عن الشئ من ريع أو دخل بصفه دورية أو متجددة و منتظمة و لا يترتب عليها المساس بجوهر الشئ أو أصله حيث يبقى سليما بلا أي نقص مثل أجرة المساكن او السيارات او ثمار الارض او فوائد السندات او الاسهم.

و تختلف الثمار بهذا المعنى عن المنتجات التي تنتج من الشئ حيث ان المنتجات بالمعنى القانوني ليست متجددة أو دورية و يترتب على أخذها نقص في مادة الشئ او أصله مثل أخذ المعادن من منجم أو اخذ الأحجار من محجر او أخذ الأشجار من غابة.

و نظرا لما يترتب على الحصول على منتجات الشئ من مساس بأصله أو مادته بأنه يعد تصرف في هذا الشئ و ليس إستغلالا له.

و الإستغلال، أي الحصول على ثمار الشئ، قد يتم من المالك مباشرة كأن يقوم المالك بزراعة أرضه و جني ثمارها ثم بيعها او قيامه بنقل الركاب بسيارته مقابل أجر يحصل عليه، كما قد يتم الإستغلال بطريقه غير مباشره بأن يمنح المالك الغير حق الحصول على ثمار الشئ نظير مقابل.

و قد تتقيد سلطة المالك في إستغلال الشئ لمصلحة الغير او المصلحة العامة بنص القانون مثل وضع حد أقصى لأجرة المساكن التي يحصل عليها ملاكها مراعاة لمصلحة المستأجرين أو تقييد مدة الإيجار بما لايزيد عن حد معين إلى غير ذلك.

3.    سلطة التصرف:

يقصد بها السيطرة الكامله على الشئ محل الملكية أو الهيمنة عليها و هذه السلطة لها جانبان:

1.     الجانب الأول: جانب مادي و يسمى التصرف المادي و يقصد به القيام بجميع الأعمال المادية التي تؤدي إلى إستهلاك الشئ أو إعدامه أو التغيير فيه مثل هدم المنزل أو تعليته أو فتح نوافذ أو أبواب فيه...إلخ. و حق الملكيه وحده يتميز بهذه السلطه دون الحقوق المتفرعه عنه مثل حق الإنتفاع أو الإستعمال حيث لايجوز للمنتفع أو المستعمل التغيير أو التعديل في الشئ محل الحق.

2.     الجانب الثاني: يعد جانب قانوني و يسمى التصرف القانوني و يقصد به قيام المالك بالتصرفات التي يجيزها القانون و يكون من شأنها أن تؤدي الى زوال حق الملكية على الشئ سواءا بمقابل أو بدون مقابل كبيعه أو هبته للغير أو تجزئة هذا الحق بإعطاء الغير بعض سلطاته كأن يمنح الغير حق إنتفاع أو إرتفاق (طوعا و ليس جبرا) على الشئ و أن يقوم بتقييد هذه السلطة على الشئ كما هو الحال في الشرط المانع من التصرف.

و يشترك حق الإنتفاع مع حق الملكية في سلطة التصرف القانوني إلا أن الملكية اوسع مدى أو نطاق حيث تمتد سلطة المالك إلى الرقبة (اي أصل الشئ) و المنفعة معا أما المنتفع فترد سلطته على منفعة الشئ فقط دون رقبته أو أصله.

 

 

 

محل حق الملكية:

يقصد به الشئ الذي ترد عليه سلطات المالك و يشترط في هذا الشئ أن يكون ماديا و ليس معنويا، و محددا بالذات و ليس بالنوع سواء كان عقارا أو منقولا؛ و السؤال الذي يثور بالنسبة للشئ محل الملكية هو مامدى سلطات المالك على هذا الشئ بمعنى إلى أي حد تمتد سلطات المالك بالنسة لهذا الشئ و الإجابه على هذا السؤال تكون كالتالي:

أن هذه السلطات تمتد إلى ما يلي:

1.     الشئ ذاته و أجزائه جميعا (الجوهرية و غير الجوهرية)

2.     ملحقات الشئ.

3.     ثمار الشئ و منتجاته.

4.     ما تحت الشئ و ما فوقه الى الحد المفيد بالتمتع به و يسمى "العلو و السفل".

و هذا وفقا لنص المادتين (811) و (812) من القانون المدني الكويتي و نتكلم فيها على التوالي:

أولا: الشئ ذاته و أجزائه:

يقصد بها أن سلطات المالك ترد على الشئ محل الملكية و لا تتعداه إلى خارج حدوده فلا يجوز للمالك أن يمارس سلطاته خارج حدود هذا الشئ و هو دائما شئ مادي عقارا كان أم منقولا و تشمل الملكية جميع أجزاء هذا الشئ سواءا كانت جوهرية لا يمكن فصلها عنه دون أن يهلك أو يتلف، أو كانت غير جوهرية لا يتأثر الشئ بفصلها عنه؛ فالمنزل مثلا تكون ملكيته بجميع أجزائه من حوائط و نوافذ و أبواب و شرفات و مصاعد إلى غير ذلك للمالك وحده و السيارات تشمل ملكيتها جميع أجزائها من هيكل و محرك و إطارات و كراسي...إلخ.

و عند الخلاف حول إذا ماكان الجزء المختلف عليه عنصرا من الشئ أم لأ فإن قاضي الموضوع هو الذي يمكنه الحكم في هذا النزاع بحسب طبيعة الشئ.

ثانيا: ملحقات الشئ:

يقصد بملحقات الشئ كل ما أعد بصفة دائمة لإستعماله و الإنتفاع به دون أن يكون جزءا منه و لا ناتجا عنه و فقا لطبيعة الأشياء و العرف الجاري في هذا الشأن و من أمثلتها: أجهزة الإضاءة أو التكييف أو الأدوات الصحية المثبتة في الحمامات في المنازل، و المخازن بالنسبة للمصانع، وحظائر المواشي و المراوي و المصارف بالنسبة للأرض الزراعية، وحقوق الإرتفاق بالمرور أو الري أو الصرف المقررة للأرض الزراعية على الأراضي المجاورة، و كذلك الإطار الإحتياطي و أدوات الرفع بالنسبة للسيارات إلى غير ذلك.

و هذه الملحقات تتبع الشئ محل الملكية بحكم القانون لإرتباطها بإستعماله و الإنتفاع به و لذلك فإن نقل ملكية الشئ أو رهنه يمتد بالتبعية الى هذه الملحقات بحسب الأصل مالم يوجد نص أو شرط في التصرف يخالف ذلك.

ثالثا: ثمار الشئ و منتجاته:

و الثمار هي كل مايدره الشئ بصفة دورية دون إنتقاص من هذا الشئ و هي على 3 أنواع:

1.     ثمار طبيعية: و هي التي تكون من فعل الطبيعة أي تنتج من الشئ تلقائيا دون تدخل من البشر مثل الأعشاب و الحشائش التي تنبت في الأرض البور تلقائيا و كذلك نتاج الماشية و صوف الأغنام.

2.     ثمار صناعية أو مستحدثة: و هي التي تنتج عن الشئ و لكن بجهد من الإنسان و عمله بحيث ما لم يجتهد أو يعمل لما حصل عليها مثل محصولات الأراضي الزراعية و ثمار الحدائق.

3.     ثمار مدنية: و هي التي تنتج عن إستثمار الشئ بإعطائه للغير لكي ينتفع به أو يستخدمه مقابل أجر أو فائدة أو ريع..إلخ، مثل أجرة المنازل أو الأراضي أو المحلات التجارية و فوائد النقود المقرضة للغير أو المودعة في البنوك أو أرباح الأسهم و السندات.

أما المنتجات فهي كما قلنا كل ماينتج عن الشئ في مواعيد غير دورية و يترتب عليها المساس بأصل الشئ و الإنتقاص من مادته مثل المعادن التي تستخرج من المناجم، و الأحجار التي تستخرج من المحاجر، و الأشجار التي تقطع من الغابات.

رابعا: ما تحت الشئ و ما فوقه الى الحد المفيد بالتمتع به و يسمى "العلو و السفل":

تشمل الأرض ما فوقها من علو أو فضاء و ما تحتها من عمق أو قاع أو سفل لأن الأرض لا يمكن الإنتفاع بها إنتفاعا كاملا دون ما يعلوها من فضاء لإقامة منشآت عليها و تمتد إلى ما فوقها، و كذلك دون ما تحتها من قاع أو عمق لوضع أساسات المباني فيه و كذلك مد ما يلزم من أنابيب، و إستخراج ما يحتويه من أحجار و أتربة و معادن، و حفر ما يراه المالك من آبار للحصول على المياه. و هذا الحق يمنح المالك سلطة منع الغير من القيام بأمرين:

1.     مد أسلاك فوق أرضه بما يحول دون إقامة مباني أو منشآت عليها و إذا أقام الجار مبان في أرضه و لكنها شكلت بروزا فوق أرض جاره فلهذا الأخير المطالبة بإزالة هذه البروز و الأمر كذلك بالنسبة لفروع أشجار الجار التي تمتد إلى ما فوق أرضه.

2.     إستغلال الغير لباطن أرضه أو عمقها بما يحتويه من أشياء نافعة.

و لكن هذا الحق ليس مطلقا أو دون قيود أو حدود و إنما يقتصر فقط على القدر المفيد في التمتع بالأرض وفقا للمألوف حيث لا يمكن أن يتعارض إستعماله لحقه مع مصلحة المجتمع تطبيقا للقيد العام الذي يتمثل في عدم جواز تعسف صاحب الحق في إستعمال حقه. و بناءا عليه لا يجوز لصاحب الأرض أن يمنع تحليق الطائرات فوق أرضه طالما كان ذلك على إرتفاع لا يمنع و لا يحد من بنائه على هذه الأرض، كذلك لا يجوز له منع مد الأنابيب أو تشييد الأنفاق تحت أرضه طالما كان ذلك على قدر من العمق لا يحول بينه و بين الإنتفاع بباطنها على الوجه المعتاد.

و يترتب على شمول ملكية الأرض لما فوقها و ما تحتها إفتراض قانوني هو أن كل ما يوجد من مبان أو منشآت أو أشجار فوق الأرض أو تحتها يكون مملوكا لمالكها مالم يقم الدليل على عكس ذلك تطبيقا للمادة (880) مدني كويتي.

و يلاحظ أن القانون الكويتي نص صراحه على أن المناجم و المحاجر و آبار البترول و الآثار التي توجد في باطن الأرض تعتبر ملكا للدولة و لا تمتد ملكية صاحب الأرض إليها و ذلك لإعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة و هذا القيد قد ورد في المادة (879) مدني كويتي.

القيود الواردة على الملكية:


القيود نوعان: النوع الأول يرد على حرية التملك أي إكتساب الملكية، والنوع الثاني يرد على حق الملكية بعد إكتسابه و ذلك لتنظيم إستعماله.

أولا:القيود الواردة على حرية التملك:


يقصد بها القيود التي ترد على حرية إكتساب الملكية في الكويت و توجد هنا قاعدة عامة و إستثناءات على هذه القاعدة:

القاعدة العامة: حظر تملك الأجانب للعقارات في الكويت وفقا للمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 79، فإن تملك العقارات في الكويت مقصور على الكويتيين نظرا لإرتباط العقارات بسيادة الدولة و أمنها بإعتبارها جزءا من إقليمها و هذا يعني بمفهوم المخالفة حظر تملك غير الكويتيين للعقارات في الكويت و يمتد هذا الحظر ليشمل الملكية التامة و ملكية الرقبة و حق الإنتفاع كما يمتد هذا الحظر إلى الشركات التجارية التي يشترك فيها شركاء من غير الكويتيين حتى و لو كانت الشركة كويتية.

الإستثناءات الواردة على حظر تملك غير الكويتيين للعقارات في الكويت:

توجد بعض الحالات التي يسمح فيها لغير الكويتيين بتملك العقارات في الكويت على سبيل الإستثناء و بشروط محددة و نذكر هذه الإستثناءات على النحو التالي:

الإستثناء الأول: تملك السفارات و ما شابهها العقارات اللازمة لها في الكويت:

لقد أجازت المادة (2) من المرسوم رقم 74 لسنة 1979 للدول الأجنبية أن تتملك عقارات في الكويت تخصص مقرا لسفارتها أو قنصليتها و كذلك السكن الخاص برئيس بعثتها الدبلوماسية وذلك بالشروط الآتية:

1.     المعاملة بالمثل.

2.     ألا تزيد مساحة العقار أو العقارات المطلوب تملكها على 4000 متر مربع للدولة الواحدة و يستثنى من هذا الشرط السفارات و القنصليات التي تملكت مساحة تزيد على هذا المقدار قبل العمل بالمرسوم المذكور. كما يجوز لمجلس الوزراء بناءا على إقتراح وزير الخارجية أن يستثني بعض الدول العربية من هذا الشرط.

3.     صدور مرسوم من حكومة الكويت للدولة الأجنبية بتملك العقار أو العقارات المطلوبة.

الإستثناء الثاني: تملك الأجنبي العربي الذي ينتمي بجنسيته لدولة عربية لعقار واحد في الكويت:

طبقا للمادة (3) من المرسوم السابق ذكره، يجوز للشخص الطبيعي الذي يحمل جنسية بلد عربي أن يتملك عقارا واحدا في إحدى المناطق السكنية المنظمة في الكويت بالشروط الآتية:

1.     المعاملة بالمثل.

2.     ألا تزيد مساحة العقار المطلوب تملكه عن 1000 متر مربع.

3.     ألا يكون هذا الشخص مالكا لعقار آخر في الكويت.

4.     ألا تكون ملكية العقار حصة شائعة مع كويتي.

5.     أن يخصص العقار لسكنى الطالب هو و أسرته دون أي غرض آخر.

6.     أن يكون مقيما في الكويت إقامة دائمة مشروعة.

7.     ألا يكون قد صدر ضده أحكام مخلة بالشرف أو الأمانة طوال إقامته بالكويت.

8.     أن يكون له دخل يمكنه من شراء العقار المطلوب تملكه.

9.     أن يحصل على موافقة حكومة الكويت على طلبه و ذلك بأن تصدر مرسوم له يسمح له بالتملك و لا تلتزم الحكومة الكويتية بمنح هذا الإذن و إنما يمكنها أن ترفض بالرغم من توافر هذه الشروط وفقا لسلطتها التقديرية أو تضيف إلى هذه الشروط شروطا أخرى إذا رأت ضرورة لذلك و يندر أن تصدر الحكومة الكويتية مرسوما لأجنبي عربي بالتملك في الكويت و لكن لحسن الحظ أن صدر مرسوم رقم 105 لسنة 2004 لمصري بتملك إحدى العقارات بالكويت و نشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية الكويتية (الكويت اليوم)، العدد 665 لسنة 50 بتاريخ 9 مايو 2004.

الإستثناء الثالث: تملك الأجنبي عربيا أو غير عربي عقارات في الكويت بطريق الميراث:

القاعدة: أن الأجنبي أيا كانت جنسيته يتملك ما يؤول إليه من عقارات في الكويت بطريق الميراث طبقا لقواعد الشريعة الإسلامية دون حاجة لتوافر الشروط المذكورة سابقا للتملك و دون حاجة لصدور مرسوم كويتي يمنحه رخصة التملك و لكن القانون الكويتي نظم إحتفاظ هذا الأجنبي بالملكية على النحو التالي:

1.     إذا كان الأجنبي عربيا و كان مالكا من قبل لعقار في الكويت ثم آل إليه عقار آخر أو جزء منه بطريق الميراث وجب عليه أن يتصرف في أحد العقارين خلال سنة واحدة من تاريخ أيلولة العقار الثاني إليه بطريق الميراث و إلا بيع العقار الذي ورثه جبرا عنه بناءا على طلب الحكومة الكويتية و أعطي ثمنه.

أما إذا كان هذا الأجنبي العربي غير مالك لعقار آخر من قبل تعين عليه التصرف في العقار الذي آل إليه بطريق الميراث خلال سنة أيضا من تاريخ أيلولة هذا العقار إليه و إلا بيع جبرا عنه مثل الحالة السابقة مالم يصدر مرسوم بإعفائه من هذا التصرف.

2.     إذا كان الأجنبي غير عربي و آل إليه عقار أو جزء منه بالميراث فالفرض هنا أنه لا يمتلك عقارا من قبل في الكويت و مع ذلك فإنه يجب عليه أن يتصرف في العقار الذي ورثه خلال سنة من تاريخ أيلولته إليه و إلا بيع جبرا عنه و أعطي ثمنه إلا إذا كان هذا الوارث زوجة أجنبية لها ولد من المورث الكويتي حينئذ يمكن أن يصدر مرسوم من حكومة الكويت بإعفائها من التصرف في هذا العقار و مالم يصدر هذا المرسوم فإنه يجب عليها التصرف فيه خلال المدة المسبوقة.

الإستثناء الرابع: تملك الشركات المساهمة:

إذا كانت القاعدة هي حرمان الشركات التجارية التي يشترك فيها شركاء غير كويتيين من تملك العقارات في الكويت حتى لو كانت الشركة نفسها كويتية فإن القانون إستثنى من هذه القاعدة شركات المساهمة التي يشترك فيها غير كويتيين و أجاز لها أن تتملك العقار أو العقارات اللازمة لإدارتها أو لتحقيق أغراضها تشجيعا لهذه الشركات على الإستثمار في الكويت و لكن يشترط لتطبيق هذا الإستثناء توافر شرطين: الأول: ألا يكون التعامل في العقارات من بين أغراضها أصلا؛ الثاني: أن يصدر مرسوم من حكومة الكويت يمنحها هذا الحق.

جزاء مخالفة هذا الحظر:

إذا تمت مخالفة الحظر المذكور بأن تملك أجنبي عقارا في الكويت في غير الأحوال الإستثنائية التي أوردناها فإن التصرف الذي نقل اليه الملكية يعتبر باطلا بطلانا مطلقا و بالتالي لا يجوز تسجيل هذا التصرف في الشهر العقاري و يجوز لكل ذي شأن و للحكومة طلب بطلانه كما أن للمحكمة أن تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها إذا عرض عليها هذا التصرف في أي قضية ما.

النظام الخاص لمواطني مجلس التعاون الخليجي:

ينظم تملك مواطني دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الحاضر الإتفاقية الإقتصادية الموحدة لدول مجلس التعاون الخليجي المنعقدة في مدينة الرياض في 11/11/1981.

هذه الإتفاقية إستهدفت معاملة مواطني دول مجلس التعاون الخليجي في أي دولة من هذه الدول نفس معاملة مواطنيها دون تفريق بينهم و ذلك في عدة مجالات و منها تملك العقارات. و قد وضعت لهذا التملك نظاما ينطبق على جميع مواطني دول مجلس التعاون الخليجي و هذا النظام يكون وفقا للقواعد الآتية:

1.    رخصة تملك العقارات و قيدها وفقا لهذه الإتفاقية:

يسمح لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي من الأشخاص الطبيعيين بتملك عقار واحد أرضا أو بناءا في المناطق السكنية المنظمة في أي دولة من دول المجلس و بأية طريقة من طرق التصرف بين الأحياء كالبيع و المقايضة و الهبة...إلخ، أو بالوصية لما بعد الموت بشرط ألا تتعدى مساحة الأرض 3000 متر مربع و يجب أن يكون الغرض من التملك هو السكن فقط و لا يسمح لأي غرض آخر إلا إذا حصل الشخص على إذن خاص بذلك من الدولة المعنية. و إذا كان العقار أرضا فضاء وجب على المالك أن يبدأ في بناءها خلال 3 سنوات من تاريخ تسجيلها بإسمه و أن يتم البناء خلال 5 سنوات من هذا التاريخ و إلا كان للدولة الإستيلاء على الأرض و بيعها مع تعويضه بنفس ثمنها وقت شرائها أو ثمنها حين بيعها أيهما أقل و يجوز للدولة أن تمدد هذه المدة إلى مدة أخرى بناءا على طلب المالك إذا إقتنعت بأسباب تاخره في إتمام البناء. و تستثنى العقارات الواقعة في مدينتي مكة المكرمة و المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية من هذا النظام نظرا لوضعهما الديني الخاص و يترك للمملكة أن تقرر النظام الذي تراه مناسبا لتملك العقارات في المدينتين.

2.    التصرف في العقار:

طبقا لهذه الإتفاقية لا يجوز لمن تملك عقارا في إحدى دول مجلس التعاون أن يتصرف فيه تصرفا ناقلا للملكية إلا بعد إنقضاء 8 سنوات من تاريخ تسجيله بإسمه إلا إذا أذنت الدولة المعنية بالتصرف فيه قبل إنقضاء هذه المدة لأسباب تقدرها و هذا الشرط قصد به منع المضاربة في العقارات و التاكد من أن سبب الملكية هو السكن لا غير.

3.    التملك بالميراث:

إذا كان تملك العقار سببه الميراث فإن المالك يعامل نفس معاملة مواطني الدولة التي يقع فيها العقار الموروث و هذا يعني أن تبقى له ملكيته ولو تجاوزت مساحته 3000 متر مربع أو كان عقارا تجاريا و ليس سكنيا و بغض النظر عما إذا كان يملك عقارا من قبل في هذه الدولة أم لا وسواءا كان سبب الملكية هو الميراث أو غيره.

 

 

 

4.    إستئجار الأراضي و الإنتفاع بها:

أجازت الإتفاقية لمواطني دول مجلس التعاون من الأشخاص الطبيعيين و الإعتباريين إستئجار الأراضي و الإنتفاع بها في أي دولة من دول المجلس في المشاريع الإقتصادية المسموح بها وفقا لقوانين الدولة، و أعطتهم حرية التصرف في هذا الحق سواءا بالبيع أو بالرهن.

ثانيا: القيود الواردة على حق الملكية بعد إكتسابه:


هذه القيود نوعان:

1.     قيود قانونية تجد مصدرها المباشر في القانون.

2.     قيود إتفاقية أو إرادية تجد مصدرها المباشر في إتفاق الأطراف أو الإرادة بصفة عامة.

أولا: القيود القانونية:

هناك قيود قانونية خاصة و هي قيدان:

1.     وضع الحدود بين الملكيات المتلاصقة.

2.     قيود خاصة بفتح المطلات (فتحات) على ملك الجار.

و إلى جانب هذين القيدين هناك قيد عام ينظم إستعمال الحق بصورة عامة و هو عدم التعسف في إستعمال الحق و سنبدأ أولا في دراسة هذا القيد العام ثم ندرس القيود الخاصة.

أولا: القيد العام بعدم التعسف في إستعمال الحق:

ورد هذا القيد في المادة (3) مدني كويتي و التي تنص على أنه: "يكون إستعمال الحق غير مشروع إذا إنحرف به صاحبه عن الغرض منه أو عن وظيفته الإجتماعية و بوجه خاص...(د) إذا كان من شأنه أن يلحق بالغير ضررا فاحشا غير مألوف". و تطبيق هذا النص على حق الملكية فإن كل مالك يتقيد في إستعمال ملكه بعدم الإضرار بجيرانه ضررا غير مألوف.

و توضيحا لهذا القيد يجب التمييز بين نوعين من الأضرار التي قد تنتج عن إستعمال المالك لملكه: النوع الأول ضرر مألوف و النوع الثاني ضرر غير مألوف. أما عن النوع الأول وهو الضرر المألوف فهو الذي لا يمكن للمالك أن يتجنب حدوثه إلا بمشقة كبيرة و هو أمر معتاد حدوثه في الحياة بصفة عامة و من ذلك مثلا الإزعاج الناشئ عن لعب الأطفال و صياحهم أمام المنزل أو الإزعاج الذي يترتب على إستعمال الأجهزة الكهربائية المنزلية كالتلفزيون و الغسالة الكهربائية أو الإزعاج الناتج عن تشغيل السيارات و إستعمالها خصوصا في الصباح الباكر إلى آخره. هذا الضرر يجب التسامح فيه و عدم مسائلة المالك عن حدوثه حتى تستقيم العلاقات الإجتماعية بين الجيران لأنه لا يمكن تجنبه إلا بمشقة كبيرة و بدون التسامح في حدوثه سيسود النزاع و ستكثر المشاحنات بين الجيران في كل وقت و حين مما يجعل الحياة جحيما لا يطاق حيث لن يأمن أي مالك مهما بلغ حرصه في إستعماله ملكه من أن يترتب على هذا الإستعمال قدرا من الإزعاج لجيرانه.

أما النوع الثاني و هو الضرر غير المألوف فهو الذي يمكن تجنبه ببذل قدر معقول من الجهد و هو ليس بالأمر المعتاد و من ذلك مثلا إنبعاث الدخان أو الغازات السامة من المصانع أو المطاعم أو من مدخنة مطابخ المنازل أو إنبعاث روائح كريهة من حمامات المنازل بسبب عدم صيانتها أو تلف بعض أجهزتها أو الإزعاج الذي يترتب على تشغيل الأجهزة بصوت مرتفع في وقت متأخر من الليل حيث يخلد الناس للراحة و الهدوء ... إلخ. هذا الضرر لا يمكن أن يطلب من الجيران تحمله أو التسامح فيه و من ثم يكون المالك مسئولا عنه و يطلب منه إزالته أو على الأقل التعويض عنه.

 

تقدير الضرر غير المألوف:

تقدير الضرر غير المألوف يرجع إلى القاضي عند النزاع بين الجيران و على القاضي أن يرجع في ذلك إلى معيار موضوعي و ليس إلى معيار شخصي بمعنى أن المعيار الذي يتبعه يجب ألا يختلف من شخص لآخر بل إلى أمور واحدة بالنسبة للجميع مثل العرف السائد في المنطقة و طبيعة العقارات المتجاورة و موقع كل منها بالنسبة للآخر و الغرض الذي خصصت له...إلخ. و طبقا لهذا المعيار فإن مايعتبر من الضوضاء أو الدخان مألوفا في حي شعبي تسكنه طبقه عماليه فقيرة أو في منطقة صناعية أو تجارية تكثر فيها الحركة أو الضوضاء يعتبر غير مألوفا في حي سكني راق يقطنه علية القوم أو بالنسبة لمكان مخصص للإستشفاء (المستشفى) سيحتاج المرضى المقيمين فيه للهدوء و الراحة...إلخ. و إذا كان الضرر مألوفا في ضوء هذا المعيار الموضوعي و لكنه تجاوز الحد المألوف بسبب ظروف شخصية خاصة بالجار الذي لحقه الضرر كما لو كان مرهف الحس ضعيف الأعصاب فإن المالك لا يسأل عنه.

و لا يحول دون المسئولية عن الضرر غير المألوف أن يكون المالك قد حصل على ترخيص من الدولة بمزاولة النشاط الذي نجم عنه هذا الضرر كمطعم أو مقهى...إلخ. لأن هذا الترخيص يقتصر أثره على الإذن للمالك بمزاولة النشاط المرخص به و لكن لا يسوغ للمالك الإضرار بغيره ضررا غير مألوف.

و إذا كان المالك الذي يستغل ملكه على نحو يضر بالجار ضررا غير مألوف هو الأسبق في التملك و إستغلال ملكه من الجار الذي أصابه الضرر فإن المالك لا يسأل في هذه الحالة إذا كان نشاطه متسقا مع المنطقة الموجود بها النشاط الذي يقوم به كأن يكون في منطقة صناعية أو تجارية و بناءا عليه فمن يقيم منزلا للسكن ينشد فيه الإقامة الهادئة في حي صناعي أو تجاري و ليس مخصص للسكنى لا يجوز له أن يدعي التضرر من دخان المصنع أو صخب المحلات المجاورة و لا يلومن إلا نفسه، فالضرر في مثل هذه الظروف يعد ضررا مألوفا و عليه أن يتحمله.

جزاء الضرر غير المألوف:

يترك للقاضي تقدير الجزاء المناسب في كل حالة على حدة و هو قد يحكم بأمر واحد أو بأمرين معا؛ الأمر الأول: إزالة مصدر الضرر أو تعديله دون إزالة أي الإبقاء عليه معدلا مثل إغلاق المصنع المقلق للراحة أو عدم تشغيه في أوقات معينة خاصة في الصباح الباكر أو المساء المتأخر أو في أثناء فترة القيلولة و من ذلك أيضا تعديل فوهة المدخنة مصدر الضرر أو تعديل  مكانها. الأمر الثاني: التعويض النقدي لجبر الضرر الذي أصاب الجار. و قد يحكم القاضي بالإزالة و التعويض النقدي معا و قد يكتفي بالتعويض النقدي فقط إذا كانت الإزالة ترهق المالك و توقع خسارة فادحة به، و كل ذلك يرجع إلى تقديره بحسب كل حالة على حدة.

ثانيا: القيود الخاصة

تتمثل هذه القيود في إثنين: الأول - القيد الخاص بوضع الحدود بين الملكيات المتلاصقة. و الثاني – القيد الخاص بفتح المطلات على ملك الجار، و نشرحهما على التوالي:

أولا: القيد الخاص بوضع الحدود بين الملكيات المتلاصقة:

نصت المادة (813) مدني كويتي على أنه: "لكل مالك أن يجبر جاره على وضع الحدود لأملاكهما المتلاصقة و تكون نفقات التحديد مناصفة بينهما". في ضوء هذا النص نشرح هذا القيد في النقاط التالية:

§        تعريف:

وضع الحدود هو عملية تتضمن تحديد الخط الفاصل بين أرضين غير مبنيتين و إظهاره بعلامات مادية وهذه العملية تتضمن تقييدا للمالك لأنها تعني إجباره على عمل قد لا يريده ثم هي تحمله نفقات قد لا يرغب في تحملها؛ و يلاحظ أن وضع الحدود هو الذي يجبر عليه المالك إذا طالب به جاره و لكنه لا يجبر على تحويط ملكه أي إحاطته بحائط من جميع الجهات.

§        متى يوجد هذا القيد و من هوصاحب الحق في التمسك به:

يوجد هذا القيد عند التلاصق بين الأراضي المجاورة و طالما كان هذا التلاصق موجودا فالحق في وضع الحدود يبقى قائما و لا يسقط بالتقادم، و ينتفي التلاصق إذا وجد بين الأرضين طريق عام بخلاف الطريق الخاص لأن النزاع قد يثور بين المالكين حول ملكية هذا الطريق كليا أو جزئيا. و لا ينتفي التلاصق بوجود سور بين الأرضين لأنه قد يكون بني بمبادرة من أحد المالكين و ليس بإتفاق بينهما و من ثم يمكن إثارة النزاع حول ما إذا كان قد وضع في المكان الصحيح له من عدمه. و يثبت وضع الحدود بالنسبة لجميع الأراضي الفضاء سواءا كانت زراعية أو غير زراعية كما يثبت بالنسبة للمباني إذا كان يفصل بينهما أرض فضاء مملوكة لأصحاب المباني دون وضع حدود لملكية كل منهم، أما إذا تلاصقت المباني فلا مجال للتحديد لأن الحائط الفاصل بينهما يعد حدا لكل منها. و كما يثبت هذا الحق للمالك فإنه يثبت أيضا لأصحاب الحقوق العينية على الأراضي مثل صاحب حق الإنتفاع أو الإستعمال أو السكنى بخلاف المستأجر فلا يثبت له هذا الحق لأن حقه شخصي في مواجهة صاحب الأرض و ليس حقا عينيا على الأرض ذاتها.

§        كيفية تعيين الحدود بين الملكيات المتلاصقة و نفقات التحديد:

يتم تعيين الحدود بتطبيق (مطابقة) مستندات ملكية الجارين على الأرض و بالتالي يتم تحديد الخط الفاصل بينها و توضع علامات مادية على هذا الخط الفاصل مثل الأوتاد الحديدية أو الفواصل المبنية و يمكن أن يكون ذلك وديا بالإتفاق بين المالكين المتجاورين إذا كان كل منهما معترفا بملكية جاره و مساحة أرضه و حينئذ يكون وضع الحدود مجرد إجراء للتأكيد فقط على ملكية كل منهما و بعد التحديد يحرر الطرفان محضرا بم تم الإتفاق عليه و يكون سندا في المستقبل لكل منهما إن حصل نزاع بينهما متعلق بالحدود؛ فإن تعذر الإتفاق بين الملاك فلا مناص من اللجوء إلى المحكمة التي يوجد في دائرتها عقارات كل منهم بدعوى عينية عقارية تسمى دعوى تعيين الحدود و تكون مهمة المحكمة التأكد من ملكية كل من الطرفين إما بالإستعانة بخبير أو بالإنتقال لمعاينة العقارات على الطبيعة ثم تصدر حكمها بما تراه حقا.

أما عن نفقات التحديد سواءا كان التحديد وديا أو قضائيا مثل نفقات تحرير المحضر بواسطة محامي أو نفقات رفع الدعوى و مصاريف المحكمة إلى غير ذلك فإنها تكون بنص القانون مناصفة بين المالكبن المتجاورين بغض النظر عن مساحة ملكية الأراضي المتجاورة لأن القانون إفترض أن الفائدة من وضع الحدود متساوية بين الأطراف بغض النظر عن مساحة أرض كل منهما.

ثانيا: القيود الخاصة بفتح المطلات على ملك الجار:

القاعدة أن للمالك الحق في أن يبني على أرضه في كل جزء منها و أن يقيم حائط منزله على الحد الفاصل بين ملكه و ملك جاره و لكن إذا أراد أن يفتح فتحات في هذا الحائط فلا يجوز له أن يضايق بهذه الفتحات جيرانه و إيذاء مشاعرهم و إنتهاك خصوصياتهم و لهذا نصت المادة (814) مدني على أنه: " لا يجوز للمالك أن يكون له على ملك جاره فتحات إلا في الحدود التي يقررها القانون". و قد وردت هذه الحدود في القرار رقم 30 لسنة 1985 الصادر من رئيس بلدية الكويت و المعدل بالقرارين الوزاريين رقمي 27 و 29 لسنة 1990 و هو خاص بتنظيم أعمال البناء بصفة عامة و الذي يخصنا في هذا الموضوع هو فتح فتحات على ملك الجار حيث يبين هذا القرار أنه لا يجوز أن يقل إرتداد البناء الرئيسي عن حد الجار 2.5 متر و هذا ينطبق على جميع طوابق البناء غير الطابق الأرضي. أما الطابق الأرضي فيجوز للمالك أن يقيمه مباشرة على الحد الفاصل بينه و بين أرض الجار و بإرتفاع لا يتجاوز 4 أمتار دون أن يفتح به فتحات فإذا أراد أن يفتح به فتحات فلا يجوز له أن يفتحها إلا بعد أن يرتد بالبناء مسافة 1.5 متر. و هذه المسافات مقررة لصالح الجار منعا للإضرار به و يحق له بالتالي أن يطلب إزالة الأعمال المخالفة لها على الرغم من أنها تمت في بناء على ألرض مملوكه لجاره أي صاحب البناء.  

ثانيا: القيود الإرادية أو الإتفاقية:

§        مفهوم هذه القيود:

 يقصد بها القيود التي ترد على سلطة المالك في التصرف في ملكه دون أن يفرضها عليه القانون و لكن المالك يرتضيها بإختياره أو بإرادته سواءا كانت إرادة منفردة أو مشتركة مع غيرها أي بالإتفاق.

§        القاعدة التي تحكم هذه القيود:

 القاعدة هي أنه لا يمكن للمالك أن يقيد سلطته في التصرف في ملكه بإرادته المنفردة لأن ذلك يفتح الباب للتحايل و إنقاص الضمان العام لدائنيه فلا يجدون المال الكافي عنده لأخذ حقوقهم منه و ذلك بإخراج بعض أمواله من التصرف فيها مما يؤدي بالتبعية إلى عدم جواز حجز الدائنين عليها لإستيفاء حقوقهم من ثمنها.

و بالعكس، فإنه يجوز تقييد سلطة المالك في التصرف في ملكه بمقتضى شرط يرد في عقد ينقل إليه مالا كعقد بيع أو هبة أو مقايضة أو في وصية له بمال معين من الغير و هذا الشرط يمنعه من التصرف في هذا المال أو يقيده فيه و لذلك يسمى الشرط المانع أو المقيد للتصرف.

§        أحكام الشرط المانع أو المقيد للتصرف في القانون المدني الكويتي:

أجاز القانون المدني الكويتي هذا الشرط، و بين الشروط اللازمة لصحته و الآثار التي تترتب عليه و جزاء مخالفته في مواد ثلاث هي المواد (815) و (816) و (817) و نتولى شرح أولا: شروط صحة هذا الشرط؛ و ثانيا: آثاره؛ و ثالثا: الجزاء الذي يترتب على مخالفته.

أولا: شروط صحة الشرط المانع أو المقيد للتصرف:

يشترط 3 شروط هي: (1) أن يبنى هذا الشرط على باعث قوي؛ (2) أن يكون المنع أو التقييد لمدة معقولة؛ (3) أن يرد الشرط المانع أو المقيد في التصرف الناقل للملكية؛ و نشرح هذه الشروط الواحد بعد الآخر.

1.    الشرط الأول: أن يبنى الشرط المانع أو المقيد على باعث قوي:

يقصد بهذا الشرط أنه يجب أن تتوافر مصلحة جدية أو قوية من منع المالك من التصرف في ملكه أو تقييده فيه سواءا كانت مصلحة مادية أو أدبية. و قد تكون هذه المصلحة للمتصرف في المال و مثل ذلك أن يبيع شخص شئ لآخر بثمن مؤجل أو مقسط و يشترط على المشتري عدم التصرف في الشئ المبيع  حتى تمام سداد ثمنه و ذلك لضمان الحصول عليه أو أن يحتفظ البائع في عقد البيع بحق إنتفاع على الشئ المبيع مدة معينة و يشترط على المشتري عدم التصرف في هذا الشئ طوال مدة حق الإنتفاع حرصا على بقاء مالكه دون تغيير، أو أن يهب شخص شئ لآخر بشرط أن يضمن له إيرادا لمدى حياته كثمن لهذا الشئ مع أنه هبه و يشترط على الموهوب له ألا يتصرف في هذا الشئ إذا كان يدر دخلا لكي يضمن إستمرار حصوله على الإيراد المتفق عليه.

و قد تكون هذه المصلحة للمتصرف إليه و مثل ذلك أن يهب شخص مالا لآخر أو يوصي له به و يشترط عدم تصرف الموهوب له أو الموصى له بهذا المال طوال حياته و ذلك حماية له من نفسه نظرا لما عرف عنه من طيش أو تبذير أو إسراف قد يودي بكل أمواله و تضيع أسرته بسبب ذلك أو أن يكون ذلك بسبب عدم خبرته العملية في التصرفات مما يترتب عليه أن يغبن بسهولة في التعامل و ينتج عن ذلك ضياع أمواله.

 و قد تكون هذه المصلحة للغير و مثال ذلك أن يهب شخص مالا لآخر أو يوصي له به و يشترط عليه أن يدفع إيرادا مرتبا لوالديه طوال حياتهما و لكي يضمن تنفيذ الموهوب له أو الموصى له هذا الإلتزام يشترط عليه عدم التصرف في المال الموهوب أو الموصى به طوال حياة والديه لأنه يدر دخلا يمكنه من دفع هذا الإيراد إليهما.

فإن زالت المصلحة من المنع مستقبلا جاز إلغاء الشرط إما بموافقة المشترط و إما بحكم القضاء و مثال ذلك أن يكون المال الممنوع التصرف فيه منزلا يسكن فيه المالك الممنوع من التصرف و لكنه مع مرور الزمن أصبح آيلا للسقوط و لا يمكن ترميمه أو إصلاحه حينئذ يجوز إلغاء الشرط المانع من التصرف فيه بإتفاق الطرفين أو بحكم القضاء عند الإختلاف بينهما لكي يتمكن المالك من هدمه أو بيعه و إستبداله بمنزل آخر، و يمكن أن يقترن الإذن للمالك بالتصرف بشرط الإستبدال و هي يعني أن يلتزم المالك بعدم التصرف أيضا في المال الجديد الذي يحل محل المال القديم وفقا لما يسمى بالحلول العيني.

2.    أن يكون المنع أو التقييد في التصرف لمدة معقولة:

يتعين لصحة الشرط المانع أو المقيد للتصرف أن يكون مؤقتا أي لمدة محدودة و هي المدة اللازمة لتحقيق الغرض من المنع أو التقييد و يمكن أن تكون هذه المدة مدة حياة المتصرف أو حياة المتصرف إليه أو الغير بحسب الغرض من الشرط كما في الأمثلة السابقة و يترك تقدير ذلك للقاضي عند النزاع بين الطرفين بحسب كل حالة على حدة و ينبغي على القاضي أن يقدر المدة على قدر الحاجة من المنع أو التقييد لا أكثر و بالتالي إذا إشترط المنع أو التقييد المطلق فإنه يكون باطلا لعدم معقولية المدة و يكون للمالك حينئذ التصرف في ملكه كما يشاء و كأن الشرط لم يكن.

3.    أن يرد الشرط المانع أو المقيد في التصرف الناقل للملكية:

بمعنى أنه يجب أن يتضمن العقد الذي نقل الملكية أو الوصية بها الشرط المانع أو المقيد للتصرف فإن حدد في إتفاق لاحق في العقد فإنه يكون باطلا و لا يصح معه المنع من التصرف أو تقييده في الشئ المملوك لأن المالك لم يوافق عليه وقت إنتقال الملكية إليه و بالتالي إذا إشترط الدائن المرتهن على المدين الراهن في عقد الرهن عدم التصرف في المال المرهون طيلة بقاء الرهن عليه كان هذا الشرط باطلا لعدم وروده في التصرف الذي نقل ملكية المال للمدين الراهن بل في عقد الرهن و هو لاحق لإنتقال ملكية الشئ المرهون إلى المدين الراهن.

ثانيا: آثار الشرط المانع من التصرف:

إذا توافرت الشروط الثلاثة السابقة في الشرط المانع من التصرف كان صحيحا و رتب آثاره و تتمثل هذه الآثار في إثنين، الأول: منع التصرف في المال؛ الثاني: منع الحجز و التنفيذ على المال من جانب الدائنين و نتكلم فيهما على التوالي:

الأثر الأول: منع التصرف في المال:

هذا المنع قد يكون مطلقا و قد يكون جزئيا و المنع المطلق معناه أن يمتنع المالك عن التصرف في المال بجميع أنواع التصرفات سواءا كانت معاوضة أو تبرعا و سواءا كانت في المال كله أو في جزء منه، فلا يحق له بيع المال أو هبته أو تقديمه كحصة في شركة أو رهنه رهنا رسميا أو حيازيا و لكن يجب أن يراعي في هذا المنع الهدف الذي قصده المشترط من المنع و بالتالي إذا إشترط بائع العقار على المشتري بثمن مؤجل أو مقسط عدم التصرف بهذا العقار إلى حين سداد ثمنه كاملا فإنه من المفروض أن يمتنع المشتري عن أي تصرف في هذا العقار إلى حين سداد كامل الثمن و لكن أحيانا يكون تصرفه في هذا العقار غير ضار بمصلحة البائع و يكون ذلك بالذات في رهن هذا العقار لأحد دائني المشتري لأن البائع بما له من إمتياز على العقار المبيع تكون مرتبته أسبق من مرتبة الدائن المرتهن إذا كان قد قيد إمتيازه على العقار قبل أن يقيد الدائن الرهن في الشهر العقاري و بالتالي في هذه الحالة إذا قام الدائن المرتهن بالتنفيذ على العقار المرهون فإن البائع سيأخذ حقه أولا و إن بقي شئ من ثمنه سيأخذه الدائن بمقتضى أسبقية إمتياز البائع على حق الدائن المرتهن.

و أما التصرف في الشئ عن طريق الوصية فإن الشرط المانع لا ينفذ لأن إنتقال الملكية عن طريق الوصية لا يتم إلا بعد وفاة الموصي و الوفاة يترتب عليها نقل الملكية في جميع الأحوال سواءا وجدت الوصية أم لم توجد و لكن إذا تبين أن الهدف من الشرط المانع يتعارض مع الوصية فإنها لا تكون صحيحة و مثل ذلك أن يهب شخص مالا لآخر و يشترط عليه عدم التصرف في هذا المال طوال حياته بهدف نقل الملكية إلى ورثته بعد وفاته حينئذ لا يصح للموهوب له أن يوصي بهذا المال لآخرين لتعارض  الوصية مع المنع من التصرف.

و كذلك لا يحول الشرط المانع دون إنتقال ملكية المال إلى شخص آخر بسبب لا يرجع إلى إرادة الممنوع من التصرف مثل نزع الملكية للمنفعة العامة أو التقادم و كذلك لا يحول هذا الشرط دون التصرفات و الأعمال غير الناقلة للملكية مثل الصلح أو الإيجار، كذلك لا يمنع هذا الشرط من قيام المالك بالتصرفات المادية في الشئ طالما أن هذه التصرفات لا تؤثر في تحقيق الغرض المقصود من المنع مثل فتح بعض النوافذ أو الأبواب في المنزل أما إذا كان التصرف المادي هو هدم الشئ كاملا أو جانب كبير منه فإنه لا يجوز.

و أما المنع الجزئي فيؤدي فقط إلى تقييد سلطة المالك في التصرف في الشئ و ليس منعه مطلقا من هذا التصرف. و المنع الجزئي له صور متعددة فقد يتمثل في منع نقل ملكية الشئ فقط و حينئذ يجوز للمالك القيام بالتصرفات الأخرى غير الناقلة لملكية الشئ مثل تقرير حق إنتفاع أو حق إرتفاق عليه للغير. و قد يتمثل في شرط الإستبدال و هي يعني أن المالك يمكنه التصرف في الشئ الممنوع من التصرف فيه و لكن بشرط أن يستبدل به شيئا آخر يحل محله و يكون محلا للمنع مثل المال الأول. و قد يتمثل في ضرورة عرض الأمر قبل التصرف في الشئ على شخص معين يكون مفضلا على غيره في الحصول عليه و حينئذ لا يصح التصرف إلا بعد قيام المالك بهذا العرض.

الأثر الثاني: منع الحجز و التنفيذ على المال من جانب الدائنين:

لا يجوز لدائني المالك الممنوع من التصرف الحجز على المال محل المنع و بيعه جبرا عنه عند عدم قيامه بالوفاء بديونه و العلة في ذلك هي منع المالك من التحايل على الشرط المانع بمعنى أنه يستطيع أن يقترض من الغير أموالا ثم يمتنع عن الوفاء بها فيضطر الدائنون إلى التنفيذ على المال الممنوع من التصرف فيه و بيعه جبرا عنه و حينئذ يخرج من ذمته و يفقد الشرط المانع قيمته و قد ساوى بين الديون التي نشأت قبل الحظر أو خلال مدته لأن التحايل قائم في الحالتين.

و لكن ليست هذه قاعدة مطلقة فيجوز الحجز و التنفيذ على المال من جانب الدائنين إذا كان يحقق هدف المشترط من المنع و مثال ذلك بائع العقار الذي يشترط على المشتري عدم التصرف في المبيع إلى حين سداد ثمنه المؤجل أو المقسط كاملا؛ ففي هذه الحالة يجوز لدائني المشتري الحجز على هذا العقار و بيعه جبرا عنه وذلك لأن تسجيل حكم رسو المزاد في البيع الجبري يطهر العقار المبيع من جميع الحقوق العينية التبعية و منها إمتياز البائع على هذا العقار و بالتالي سيحصل على حقه بالضرورة دون حاجة إلى منع الحجز على هذا العقار و التنفيذ عليه.

و إذا حل شئ آخر محل الشئ الأصلي طبقا لشرط الإستبدال فإنه يخضع أيضا لمنع الحجز و التنفيذ عليه من جانب دائني المالك إعمالا لنظرية الحلول العيني.

ثالثا: أثر الشرط المانع من التصرف:

إذا قام المالك بالتصرف في المال بالمخالفة للشرط المانع فإن جزاء هذه المخالفة هي قابلية هذا التصرف للإبطال و ليس البطلان المطلق بمعنى أن هذا التصرف يكون صحيحا و لكن يجوز للمحكمة إبطاله بناءا على طلب صاحب المصلحة في هذا الإبطال؛ فمن هو صاحب المصلحة في الإبطال؟  هو: أولا المشترط و هو دائما صاحب مصلحة و لو كانت المصلحة المقصودة بالشرط هي مصلحة المتصرف إليه أو الغير حيث يكفي فيه المصلحة الأدبية أو المعنوية و ليس بالضرورة المصلحة المادية و كذلك يجوز إبطاله بناءا على طلب ممن تقرر الشرط لمصلحته و لو كان هو المتصرف إليه ذاته أي المالك الذي خالف المنع، فإذا حكم بالإبطال بقي المال في ذمة المالك و إلى حين الحكم بالبطلان يبقى التصرف صحيحا.

و يجوز للمشترط إقرار هذا التصرف و ليس طلب إبطاله فيصبح صحيحا بصفة نهائية و لكن إذا كان الشرط قد تقرر لمصلحة الغير فيجب أن يصدر الإقرار منهما معا أي المشترط و الغير و لا يكفي إقرار المشترط وحده.

الإحتجاج بالشرط المانع على الغير:

المقصود بالغير هنا هو الطرف الثاني في التصرف الذي أبرمه المالك بالمخالفة للشرط المانع و السؤال الذي يثور هنا هل يحتج عليه بالشرط المانع و من ثم يجبر على رد المال إلى المالك بعد الحكم بالإبطال؟ و الإجابة نعم إذا كان يعلم بهذا الشرط وقت إبرام هذا التصرف أو كان في مقدوره أن يعلم به و يفترض فيه العلم إذا كان التصرف في عقار و تم شهره في مصلحة الشهر العقاري و من وقت هذا الشهر لا قبل ذلك. فإن لم يتوافر فيه العلم الحقيقي أو المفترض فلا يحتج عليه بهذا الشرط و لا يجبر على رد المال إلى المالك.

الملكية الشائعة


§        تعريف الملكية الشائعة:

الملكية الشائعة هي أن يتعدد ملاك الشئ بنسب معينة كالربع أو الثلث أو النصف مثلا دون أن يفرز لكل منهم جزءا فيه بقدر حصته منه ومن ثم يكون كل واحد من الملاك المتعددين مالكا مع غيره لكل جزء من هذا الشئ محل الملكية.

 

§        مصادر الشيوع و محله:

تتعدد مصادر الشيوع مثل العقد أو الوصية أو الحيازة و لكن أهمها على الإطلاق هو الميراث حيث يرث عدة أشخاص مالا عن مورثهم لكل منهم نصيبا فيه بحسب أحكام الشريعة الإسلامية و يكون هذا المال مملوكا على الشيوع لكل الورثة إلى حين قسمته قسمة إفراز و تجنيب نصيب كل منهم على حدة.

و الشيوع يكون محله عادة هو حق الملكية و مع ذلك يمكن أن يكون محله أيضا حقا عينيا آخر مثل حق الإنتفاع و حق الإستعمال و لكن يلاحظ أنه لا يوجد شيوع بين مالك الرقبة و مالك المنفعة على الشئ الواحد لإختلافهما من حيث المحل.

§        تنظيم الملكية الشائعة في القانون الكويتي:

يعتبر الشيوع أمرا مؤقتا و مصيره حتما إلى الزوال لما يترتب عليه من مشاكل و منازعات بين الشركاء و بسبب إختلافهم غالبا في طريقة إستعمال المال الشائع و الإنتفاع به أو التصرف فيه إلا أنه يكون أحيانا أمرا حتميا لا إختيار فيه كما هو الحال في المال الموروث و قد يدوم لفترة قصيرة أو طويلة قبل الإنتهاء منه بالقسمة، لذلك كان لا بد من وضع نظام قانوني لإستعمال المال الشائع و الإنتفاع به و التصرف فيه و تهيئة قسمته على نحو ميسر بهدف تلافي المشاكل التي تنجم عنه. و قد نظم القانون المدني الكويتي الملكية الشائعة في المواد من 818 إلى 874 و هي تتناول موضوعات ثلاثة هي:

أولا: أحكام الشيوع؛ ثانيا: قسمة المال الشائع؛ ثالثا: الشيوع الإجباري و ملكية الطبقات و الشقق.

أولا: أحكام الشيوع:

تعرضت المواد من 818 إلى 829 من القانون المدني لأحكام الشيوع من حيث النقاط التالية:

1.     التعريف بالشركاء على الشيوع و مقدار حصة كل منهم في المال الشائع.

2.     إدارة المال الشائع.

3.     التصرف في المال الشائع.

و نشرحها تباعا؛

أولا: التعريف بالشركاء على الشيوع و مقدار حصة كل منهم في المال الشائع:

نصت المادة (818) على أنه: "إذا تعدد أصحاب الحق العيني على شئ غير مفرزة حصة كل منهم، فهم شركاء على الشيوع و تكون حصصهم متساوية مالم يثبت غير ذلك." من هذا النص يتضح أن الشيوع يكون في أي حق عيني على الشئ و لكن الذي يهمنا هنا هو حق الملكية بإعتباره أوسع الحقوق التي ترد على الأشياء و أدومها، و طبقا لهذا النص فإن الملكية الشائعة هي صورة من صور الملك يتعدد فيها الملاك لشئ واحد بحيث يكون لكل مالك حصة في مجموع الشئ تتمثل في نسبة منه كالربع أو النصف مثلا، و حق الشريك على الشيوع هو حق ملكية فردية مثل الملكية المفرزة و لكنه يتميز عن الأخير بأنه لا يستغرق الشئ كله بل يقتصر على حصة منه تساوي نصيبه. و الأصل أن يحدد المصدر الذي نشأ عنه الشيوع حصة كل شريك في المال الشائع و مثل ذلك أن يوصي شخص بأحد أمواله لشخصين على أن يكون مناصفة بينهما أو أن يشتري شخصان شئ و يدفع أحدهم ثلثي ثمنه و يدفع الآخر الثلث الباقي حينئذ يكون هذا الشئ مملوكا لهما ملكية شائعة بنسبة الثلثين للأول و للثاني الثلث، و إذا كان مصدر الشيوع هو الميراث فإن حصة كل من الورثة في التركة تحدد بمقدار النصيب الشرعي المحدد بمقتضى الشريعة الإسلامية لكل وارث. و عند عدم تحديد حصص الشركاء في المال الشائع في المصدر المنشئ للشيوع فإن حصصهم تكون متساوية فيه طبقا للمادة (818) إلى أن يثبت عكس ذلك.

 

حقوق كل شريك في المال الشائع:

نصت المادة (819) على أن "لكل شريك الحق في إستعمال الشئ الشائع و إستغلاله بقدر حصته و بمراعاة حقوق شركائه و له أن يتصرف في حصته الشائعة" مقتضى هذه المادة أنه طالما أن كل شريك على الشيوع يشترك في ملكية الشئ مع غيره فإنه من الضروري أن يثبت له على هذا الشئ سلطات المالك من إستعمال و إستغلال و تصرف و لكن هذه المادة قيدت سلطة الشريك في إستعمال الشئ و إستغلاله بقيدين:

·        القيد الأول: أن يتناسب إستعماله للشئ و إستغلاله له مع مقدار حصته فيه لا أكثر إذ لا يمكن أن ينفرد الشريك بإستعماله أو إستغلاله و هو لا يملك سوى نصفه أو ربعه و بالتالي إذا قام الشريك بتأجير المال فإنه لا يحصل على مقابل الإيجار كله و لكن على مبلغ منه يعادل قدر حصته الشائعة منه فقط.

·        القيد الثاني: ألا يعطل الشريك عند إستعماله الشئ أو إستغلاله الشركاء الآخرين عند ممارسة سلطاتهم أيضا على هذا الشئ بمعنى أنه يجب عليه أن يمكنهم من إستعمال الشئ و إستغلاله بنسبة حصصهم فيه كذلك، فلا يستأثر بسكنى المنزل أو ركوب السيارة أو زراعة الأرض دون موافقتهم جميعا أو على الأقل الأغلبية منهم و لو قام بعمل من هذه الأعمال جاز للشركاء الآخرين أن يعترضوا عليه و يلتزم حينئذ بأن يؤدي لكل منهم جزءا من مقابل الإنتفاع بما يعادل حصته في المال الشائع.

و قد أشارت المادة (819) في فقرتها الثانيه إلى أنه يحق للمالك على  الشيوع إلى جانب إستعمال الشئ و إستغلاله بقدر حصته و بمراعاة حقوق شركائه أن يتصرف في حصته الشائعة بأي نوع من أنواع التصرف سواءا كان معاوضة أو تبرعا.

و الواقع العملي يدل على أن تطبيق الأحكام المذكورة يثير مشاكل بين الشركاء لإختلافهم عادة في نوع الإستعمال أو الإستغلال المناسب للمال الشائع فكل منهم يكون له عادة إتجاها مختلفا عن الآخرين و يرى أنه على صواب و الآخرين على خطأ و النتيجة هي تعطل إستعمال المال أو إستغلاله مما يعد إهدارا لمنفعته و لمصلحة الشركاء جميعا بل و المصلحة العامة أيضا. كما أن الشريك قد يتجاوز حدود حصته الشائعة في التصرف فلا يقتصر على بيع حصته أو هبتها أو التنازل عنها للغير و إنما يمتد تصرفه إلى حصة أكبر منها أو إلى حصة مفرزة من المال و ليست حصة شائعة أو إلى المال كله و كل هذا يثير نزاعات بين الشركاء بلا نهاية و لهذا نظم القانون كيفية إدارة المال الشائع و التصرف فيه بقصد حسم أي نزاع ينشأ بينهم في هذا الصدد؛ و سنعرض في البداية لإدارة المال الشائع ثم للتصرف فيه.

إدارة المال الشائع:


المقصود بإدارة المال الشائع:

تعني القيام بكل الأعمال التي يكون الهدف منها إستغلال الشئ أو إستثماره أي الحصول على منفعته دون الأساس بأصله.

القاعدة العامة في إدارة المال الشائع:

بينت المادة (820) مدني كويتي القاعدة العامة التي تحكم إدارة المال الشائع بقولها: "تكون إدارة المال الشائع ...من حق الشركاء مجتمعين مالم ينص القانون على غير ذلك" طبقا لهذه المادة فإن الذي يتولى إدارة المال الشائع هم الشركاء مجتمعون سواءا قاموا بها بأنفسهم أو أنابوا عنهم أحدا منهم أو أجنبيا عنهم في القيام بها. و لكن لما كان إجماع الشركاء على الإدارة قد لا يتحقق في بعض الأحوال أو في أغلبها لذلك نص القانون على عدم ضرورة الإجماع مكتفيا بموافقة الأغلبية حتى لا يتعطل إستغلال المال. و سنبين فيما يلي أهم صور الإجماع على إدارة المال الشائع فيما يسمى قسمة إنتفاع أو مهايأة ثم نشرح بعد ذلك كيفية الإدارة بالأغلبية و ليس الإجماع.

قسمة الإنتفاع أو قسمة المهايأة:

تعريف: قسمة الإنتفاع بالشئ أو قسمة المهايأة هي قسمة منافع هذا الشئ بين الشركاء مع بقائه هو شائعا دون قسمة بمعنى أنها قسمة يراد منها تنظيم كيفية إنتفاع الشركاء بالمال الشائع لا أكثر و هذه القسمة لا تتم إلا بإجماع الشركاء على الشيوع و قد بين القانون الكويتي صورتي هذه القسمة و أحكامها في المواد من (843) إلى (846) مدني؛ و نبين فيما يلي صورتي هذه القسمة ثم أحكامها:

صورتا قسمة الإنتفاع او المهايأة:

لهذه القسمة صورتان، مكانية و زمانية؛ أما قسمة الإنتفاع المكانية فتتحقق عندما يتفق الشركاء على أن يختص كل منهم بجزء مفرز من المال الشائع يساوي حصته فيه و يكون له وحده إدارة هذا الجزء أو الإنتفاع به في مقابل نزوله لشركائه الآخرين عن الإنتفاع بباقي أجزاء هذا المال و هي تفترض أن المال الشائع قابل للتقسيم عينا إلى أجزاء متفرقة و إلا فإنها لن تكون ممكنة و طبقا لنص المادة (843) فإن هذه القسمة لا يصح أن تزيد عن 5 سنوات و تنتهي بإنقضاء هذه المدة دون حاجة إلى تنبيه من أحد الشركاء على الآخرين بذلك. و إذا إتفق الشركاء على هذه القسمة لمدة أطول من 5 سنوات فإنها لا تنفذ إلا خلال هذه المدة فقط و ذلك منعا للتحايل على حكم القانون الذي لايجيز الإجبار على البقاء في الشيوع أكثر من 5 سنوات. و لكن يجوز بعد إنقضاء ال 5 سنوات الأولى تجديد القسمة لمدة أخرى مماثلة و هكذا. و إذا لم يتفق الشركاء على مدة معينة لهذه القسمة أعتبرت منعقدة لسنة واحدة قابلة للتجديد سنة فسنة تلقائيا إلى أن ينبه أحد الشركاء الآخرين برغبته في إنتهائها قبل إنقضاء السنة الجارية بستين يوما، فإذا حصل التنبيه في الميعاد إنتهت القسمة بإنتهاء السنة الجارية و إلا جددت لمدة سنة أخرى إلى آخره. و إذا إتفق الشركاء على مدة للقسمة و لكن عند إنتهائها بقي كل منهم منتفعا بالجزء الذي اختص به في القسمة دون أن يبدي أي من الشركاء إعتراضه على ذلك فإن هذه القسمة تجدد تجديدا ضمنيا و لكن ليس لمدة مماثلة لتلك التي سبق أن إتفقوا عليها و إنما لمدة سنة واحدة تتجدد تلقائيا على أساس أن القسمة الجديدة لمدة غير محددة و ينطبق عليها حكمها.

و يلاحظ أن قسمة الإنتفاع المكانية لا تنقلب أبدا إلى قسمة نهائية أي قسمة ملك مهما طالت مدتها طبقا للقانون الكويتي و هذا بخلاف حكم القانون المصري الذي ينص على أنها تنقلب إلى قسمة نهائية إذا إستمرت مدة 15 سنة على أساس أنها تكون حينئذ أفضل قسمة ملك رضي بها الشركاء ضمنا بدليل بقائهم فيها هذه المدة الطويلة.

أما قسمة الإنتفاع الزمانية تتحقق عندما يتفق الشركاء على أن يتناوبوا على الإنتفاع بالمال الشائع كله بحيث ينتفع به كل واحد منهم مدة تتناسب مع حصته فيه، فمثلا إذا كان الشركاء ثلاثة لكل منهم ثلث المال الشائع جاز الإتفاق بينهم على أن يختص كل واحد منهم بهذا المال سنة واحدة ثم يتركه لشريكه الآخر و هكذا، و إذا كان لأحدهم نصف هذا المال و الآخران لكل واحد منهم ربعه فقط اختص به الأول سنة كاملة و أما الشريكين الآخرين فيأخذه كل واحد منهم لمدة ستة أشهر على أساس نسبة ملكية كل منهم في هذا المال. و طبقا للمادة (844) فإنه يجب تحديد مدة إنتفاع كل شريك بالمال الشائع لأن الزمن هو الأساس في هذه القسمة و بالتالي فإن عدم تحديد زمنها يؤدي إلى بطلانها. و يجوز للشركاء أن يجددوا الإتفاق على تناوب الإنتفاع بالمال الشائع بعد إنقضاء مدة الإتفاق الأول بشرط ألا تزيد مدة الإنتفاع في كل إتفاق على 5 سنوات و ذلك منعا للتحايل على حكم القانون الذي لا يجيز أن تزيد مدة الشيوع بمقتضى تصرف قانوني بين الشركاء عن خمس سنوات تطبيقا للمادة (830) مدني كويتي.

 

قسمة الإنتفاع التي تتم أثناء إجراءات القسمة النهائية أي قسمة الملك:

أجازت المادة (845) للشركاء أثناء إجراءات القسمة النهائية أن يتفقوا على قسمة المال الشائع قسمة إنتفاع بينهم سواءا كانت قسمة مكانية أو زمانية حتى تتم القسمة النهائية (أي قسمة الملك) فقد روعي بهذا الحكم عدم تعطيل الإنتفاع بالمال الشائع أثناء إجراءات قسمته قسمة ملك لأنها قد تستمر لفترة طويلة بسبب تعدد مفردات المال الشائع و إختلاف الشركاء بشأنها. و إذا تعذر إتفاق الشركاء على هذه القسمة و ترتب على ذلك تعطل الإنتفاع بهذا المال جاز لأي من الشركاء أن يطلب من المحكمة التي تنظر دعوى القسمة النهائية أن تأمر فورا بقسمة الإنتفاع كإجراء مؤقت فإذا إقتنعت المحكمة بطلبه أمرت بقسمة الإنتفاع وفقا لما تراه ملائما. و هذه القسمة تنتهي تلقائيا بإنتهاء إجراءات القسمة النهائية أي قسمة الملك.

أحكام قسمة الإنتفاع

طبقا للمادة (846) فإن هذه القسمة تخضع لأحكام عقد الإيجار من حيث أهلية المتقاسمين و حقوقهم و إلتزاماتهم و الإحتجاج بالقسمة على الغير؛ و الأساس في هذا الحكم أن هذه القسمة ليست سوى إيجار و الأجرة فيها ليست نقودا و إنما إنتفاع في مقابل إنتفاع بمعنى أن كل متقاسم ينتفع بجزء من المال أو بالمال كله مدة معينة في مقابل تنازله لشركائه عن الإنتفاع الذي يحق له أخذه من بقية هذا المال فكأن كل شريك يعتبر مؤجرا حصته لبقية الشركاء و مستأجرا منهم للجزء الذي إختص به نتيجة القسمة؛ معنى ذلك أنه لكي تكون المهايأة (قسمة الإنتفاع) غير معرضة للبطلان يجب أن تتوافر في كل متقاسم الأهلية الكاملة لإبرام العقود الدائرة بين النفع و الضرر كما يجب أن يمكن كل منهم الشركاء الآخرين من الإنتفاع بالمال الشائع وفقا لما تم الإتفاق عليه فيما بينهم و عدم التعرض لهم في ذلك. و أيضا فإن هذه القسمة تكون حجة على الغير الذي يتعامل مع أحد الشركاء في المال الشائع إذا كان هذا الغير يعلم بها قبل إجراء المعاملة أو كانت القسمة ذاتها ثابتة التاريخ في هذا الوقت. و لكن إذا كانت أحكام الإيجار تتعارض مع طبيعة القسمة فإنها لا تنطبق عليها و مثل ذلك التنازل عن الإيجار، أو التأجير من الباطن فإنها لا تنطبق في القسمة. و أما إثبات القسمة بنوعيها فإنه يخضع للقواعد العامة حيث لم يذكر النص أنها تخضع في الإثبات لأحكام عقد الإيجار.

الإكتفاء بأغلبية الشركاء لإدارة المال الشائع:

قدر المشرع أن إجماع الشركاء على كيفية إستغلال المال الشائع و الإنتفاع به قد لا يتحقق أحيانا بل غالبا و لهذا إكتفى بموافقة أغلبية الشركاء على إدارة هذا المال حتى لا يتعطل إستغلاله و الإنتفاع به. و لكن ماهي الأغلبية المطلوبة للقيام بأعمال الإدارة؟ تختلف هذه الأغلبية بحسب نوع الأعمال المطلوبة على النحو التالي:

أولا: أعمال الإدارة المعتادة:

يقصد بها تلك الأعمال اللازمة لإستغلال الشئ على الوجه الذي أعد له دون أن تؤدي إلى إحداث تغييرات جوهرية فيه أو في الغرض الذي أعد له أصلا مثل تأجير الشئ المدة المألوفة في تأجير مثله أو زراعة الأرض بالمحصولات المعتادة أو إستئجار الآلات اللازمة للزراعة إلى آخره؛ و الأغلبية المطلوبة للقيام بهذه الأعمال طبقا لنص الفقرة الأولى من المادة (821) مدني كويتي هي الأغلبية المطلقة أي ما يزيد على النصف و تحسب الأغلبية على أساس الحصص في المال الشائع و ليس على أساس عدد الشركاء و بالتالي فإن من يملك من الشركاء أكثر من نصف هذا المال و لو كان شريكا واحدا يمكنه أن يستأثر بإدارته و على الأقلية من الشركاء مهما كان عددهم أن يلتزموا بما تقرره الأغلبية في هذا الشأن دون إعتراض أو تظلم إلى القضاء  مالم تكن الأغلبية قد تعسفت في إستعمال حقها و بشرط إثبات هذا التعسف أمام القضاء فإن لم تستطع ذلك فليس أمامها سوى طلب القسمة النهائية للمال الشائع و الخروج من الشيوع. و للأغلبية أن تقوم بأعمال الإدارة بنفسها كأن تقوم مثلا بتأجير المال الشائع و لها أيضا أن تعين مديرا للقيام بهذه الأعمال سواءا من الشركاء أو من غيرهم و لها كذلك أن تضع نظاما للإدارة يلتزم به المدير كأن تقرر مثلا عدم جواز تأجير المال لأكثر من مدة معينة أو تحديد حد أدنى للأجرة أو ضرورة إيداع الأجرة أحد البنوك إلى آخره. و ما تقرره الأغلبية في هذا الشأن يسري طبقا لنص الفقرة الثانية من المادة (821) مدني على جميع الشركاء و على خلفائهم سواءا كان الخلف عاما أو خاصا.

و إذا لم تتوافر الأغلبية اللازمة للقيام بأعمال الإدارة المعتادة و أدى ذلك إلى تعطيل الإنتفاع بالمال الشائع فإنه يجوز لأي شريك أن يرفع الأمر إلى المحكمة لتتخذ ماتراه مناسبا وفقا لما تقتضيه الضرورة أو المصلحة، فيجوز للمحكمة أن تقرر تأجيره بنفسها أو أن تعين من يديره سواءا من الشركاء أو من غيرهم و ذلك تطبيقا لحكم المادة (822) مدني كويتي.

و إذا إنفرد أحد الشركاء بأعمال الإدارة المعتادة دون أن تكون له أغلبية المال الشائع و لم تعترض عليه أغلبية الشركاء في وقت مناسب أعتبر هذا الشريك طبقا للمادة (823) مدني نائبا عن جميع الشركاء في القيام بهذه الأعمال أما إذا إعترضت الأغلبية فإن هذه الأعمال لا تكون نافذة في حق جميع الشركاء من إعترض منهم و من لم يعترض و بالتالي يحق لهم إعتبارها كأن لم تكن و طلب إزالتها.

ثانيا: أعمال الإدارة غير المعتادة:

يقصد بهذه الأعمال تلك التي يترتب عليها إحداث تغيير جوهري في تكوين الشئ أو مادته أو في الغرض المعد له أصلا مثل هدم البناء كليا أو جزئيا لإعادة بنائه أو البناء في الأرض الفضاء أو تحويل البناء المعد للسكن إلى فندق أو إلى مركز تجاري أو إلى مصنع إلى آخره. و الأغلبية المطلوبة للقيام بهذه الأعمال طبقا للمادة (824) مدني هي أغلبية من يملكون ¾ المال الشائع بشرط أن لا تتوافر في شريك واحد مهما بلغت حصته في هذا المال بمعنى أنها يجب أن تتوافر في شريكين على الأقل و ذلك لأن تعدد الآراء أفضل من الرأي الواحد في ضمان الإستغلال الأمثل للمال الشائع خاصة في الأعمال ذات الخطورة على هذا المال أو الغرض الذي خصص له. و يجب على الأغلبية بعد إتخاذ قرارها و قبل الشروع في تنفيذه أن تخطر به الأقلية كتابة و للأقلية حق الإعتراض على هذا القرار أمام المحكمة المختصة خلال 30 يوما من وصول الإخطار إليهم و للمحكمة السلطة الكاملة في إتخاذ القرار المناسب للحالة المعروضة عليها فلها أن تعتمد قرار الأغلبية إذا تبين لها أنه يؤدي إلى تحسين الإنتفاع بالمال الشائع و لها أيضا أن تعدله أو أن تلغيه تماما إذا ظهر لها عدم فائدته كما أن لها أن تقرر ضمانات تكفل للأقلية حقوقها إذا أصيبت بضرر من تنفيذ قرار الأغلبية و إستحقت بالتالي تعويضا عن هذا الضرر مثل إلزام الأغلبية بإيداع مبلغ من المال خزانة المحكمة يدفع منه التعويض المستحق للأقلية عند الحكم به. أما إذا إنقضت مدة ال 30 يوما المذكورة دون إعتراض من الأقلية فإن قرار الأغلبية يصبح نافذا في مواجهة جميع الشركاء و لا يملك أحد منهم الإعتراض عليه بعد ذلك.

ثالثا: حق كل شريك في القيام منفردا بالأعمال اللازمة لحفظ المال الشائع:

قد يحتاج المال الشائع أثناء الإنتفاع به القيام بأعمال معينة لحفظه سواءا كانت أعمالا مادية مثل ترميم المبنى و صيانتة أو جني الثمار أو المحصولات الزراعية في موعدها أو تصرفات قانونية كرفع دعاوي الحيازة ضد من يعتدي على المال الشائع أو قطع التقادم الذي يسري لصالح حائزه من الغير و مثل هذه الأعمال أجاز القانون بنص المادة (825) مدني لكل شريك أن يقوم بها منفردا دون حاجة لموافقة الشركاء الباقين أو حتى أغلبيتهم لأنها لا تضرهم بل بالعكس تجري لصالحهم و ليس فقط لمصلحة من يقوم بها.

نفقات الحفظ و الإدارة:

قضت المادة (826) مدني كويتي بأن نفقات حفظ المال الشائع و إدارته و سائر التكاليف المقررة عليه كالضرائب و الرسوم المستحقة للدولة يتحملها جميع الشركاء كل بنسبة حصته في هذا المال و بالتالي فإن من دفع مثل هذه النفقات أو التكاليف يمكنه أن يرجع بها على الشركاء الآخرين كل بحسب حصته في المال الشائع بعد أن يخصم حصته هو منها مالم يوجد إتفاق بينهم على توزيع هذه النفقات بنسب أخرى أو إعفاء أحدهم أو بعضهم من دفعها.

التصرف في المال الشائع:


المقصود به:

يكون التصرف في المال الشائع إما بنقل ملكيته إلى الغير أو بترتيب حق عيني آخر على هذا المال للغير مثل حق الإنتفاع و حق الإستعمال و حق الإرتفاق و حق الرهن.

القاعدة في التصرف في المال الشائع:

القاعدة هي أنه يجب موافقة الشركاء جميعا على التصرف بالمال الشائع بإعتبارهم جميعا ملاكا له و تصرفهم على هذا النحو يكون صحيحا و نافذا سواءا ورد على المال الشائع كله أو على جزء منه و سواءا كان ناقلا للملكية أو منشأ لحق عيني آخر على المال الشائع و يظل هذا التصرف صحيحا نافذا في مواجهة الشركاء جميعا بعد قسمة المال الشائع بصرف النظر عن النتيجة التي أسفرت عنها هذه القسمة و بالتالي إذا كان الشركاء قد تصرفوا في جزء من المال بنقل ملكيته إلى الغير فإن هذا الجزء يخرج من القسمة لأنه لم يعد مملوكا على الشيوع و إذا كان تصرفهم بترتيب حق عيني آخر كالإنتفاع و الرهن على جزء من المال الشائع ثم وقع هذا الجزء في نصيب أحد الشركاء المتقاسمين عند القسمة فإن هذا الحق يكون نافذا في مواجهة هذا الشريك و يلتزم به بإعتباره صادرا ممن له الولاية في القيام به.

الإكتفاء بأغلبية الشركاء للتصرف في المال الشائع:

راعى المشرع أن تطلب الإجماع قد يؤدي إلى تعطيل التصرف في المال الشائع إذا إختلفت وجهات نظر الشركاء لذلك قرر بالمادة (827) مدني للأغلبية سلطة القيام بهذا التصرف و لكن بالقيود الآتية:

1.     أن تكون هذه الأغلبية على الأقل لمن يملكون ¾ المال الشائع بشرط ألا تنحصر في شريك واحد مهما بلغت حصته في هذا المال.

2.     يجب أن يستند قرارالأغلبية بالتصرف إلى سبب قوي و السبب القوي هو الذي يحقق مصلحة الجميع و مثل ذلك أن يكون المال الشائع بناءا قديما لا يدر عائدا مجزيا و يراد بالتصرف فيه إستبداله بآخر يدر عائدا أكبر أو يراد بالتصرف إستبدال أرض زراعية بأرض أخرى أكثر خصوبة أو تتوافر بها مصادر للمياه بشكل أفضل.

3.     يجب أن يتضح أن قسمة المال الشائع ضارة بمصلحة الشركاء كما لو كانت ستؤدي إلى تفتيت هذا المال إلى أجزاء صغيرة يصعب إستثمارها على نحو جيد أو تحول دون الإنتفاع بها كلية؛ فإن كانت القسمة لا ترتب مثل هذا الضرر فلا ضرورة لفرض قرار الأغلبية على الأقلية حيث سيستطيع كل شريك حينئذ أن يطلب قسمة المال الشائع لإنهاء حالة الشيوع بدلا من الإلتزام بقرار الأغلبية إذا كان لا يرتضيه.

4.     و يحق للأقلية الإعتراض على قرار الأغلبية بالتظلم أمام المحكمة المختصة (60) ستين يوما من إخطارها بقرار الأغلبية و لكي تتمكن من ذلك يجب على الأغلبية أن تخطر الأقلية كتابة بقرارها قبل إتمام التصرف لكي تبدي رأيها فيه بالموافقة أو الرفض فإذا لم تعترض الأقلية على قرار الأغلبية خلال المدة المذكورة كان للأغلبية أن تنفذ قرارها و يكون عندئذ صحيحا نافذا في حق الجميع و يحمل سكوت الأقلية و عدم الإعتراض عليه على أنه موافقة ضمنية على هذا القرار و أما إذا إعترضت الأقلية في الميعاد و رفعت تظلما إلى المحكمة فإن القرار يكون عندئذ بيد المحكمة فلها أن تجيز التصرف إذا رأت أن له مسوغ قوي و أن القسمة ضارة بمصلحة الشركاء فيصبح نافذا على الجميع، و لها أن ترفضه إذا لم ترى مسوغا قويا لإجرائه و لا تصرح حينئذ للأغلبية بالقيام به.

 

 

حكم تصرف الشريك منفردا في المال الشائع:

تصرف الشريك منفردا في المال الشائع يأخذ 3 صور؛ الأولى أن يرد التصرف على حصته الشائعة فقط، و الثانية أن يرد على حصة مفرزة فيه، و الثالثة أن يرد على المال الشائع كله. و نبين حكم كل صورة منها على التوالي:

أولا: تصرف الشريك في حصته الشائعة:

طبقا للمادة (819) مدني فإن الشريك على الشيوع يملك حصته الشائعة ملكا تاما و من ثم يمكنه التصرف في هذه الحصة بكل أنواع التصرف سواءا كانت معاوضة أو تبرعا و سواءا كانت بنقل ملكية الحصة أو بترتيب حق عيني آخر للغير على هذه الحصة و سواءا كان تصرفه لأحد الشركاء أو لشخص من الغير و يكون تصرف الشريك صحيحا نافذا في حق سائر الشركاء دون حاجة لإخطارهم به أو موافقتهم عليه، فإن كان تصرفه ناقلا للملكية فإن المتصرف إليه، سواءا كان شريكا آخر أو شخصا من الغير، يحل محله فيصبح مالكا على الشيوع مثله بنفس نسبة حصته في المال الشائع. و إن كان تصرفه مرتبا لحق إنتفاع للغير على حصته الشائعة حل المتصرف إليه محله في الحصول على ثمارها و القيام بأعمال الإدارة المعتادة مثل قسمة الإنتفاع بالمال الشائع و أما الشريك المتصرف فتظل له ملكية الرقبة أي هيكل الشئ و مكوناته كما تظل له سلطة القيام بأعمال الإدارة غير المعتادة و كذلك القسمة النهائية للمال الشائع أي قسمة الملك. و إذا كان تصرف الشريك في حصته الشائعة يتمثل في تقرير رهن عليها للغير فإن هذا الرهن يكون صحيحا نافذا في مواجهة سائر الشركاء فإذا تمت قسمة المال الشائع قبل إنقضاء الرهن فإن حق الدائن ينتقل إلى الجزء المفرز الذي آل إلى الشريك بمقتضى القسمة و تعين المحكمة الجزء الذي يسري عليه الرهن إذا كان النصيب الذي آل إلى الشريك أكبر من الحصة الشائعة المرهونة و ذلك طبقا للمادة (839) مدني. و كما يمكن للشريك أن يتصرف في حصته الشائعة كلها فإنه يمكنه أيضا أن يتصرف في جزء منها و حينئذ يبقى مع المتصرف إليه شريكا على الشيوع بما بقي من حصته. كما يجوز للشريك كذلك أن يتصرف في حصته الشائعة في أحد الأموال دون غيره من الأموال المملوكة على الشيوع فيحل المتصرف إليه محل الشريك في حصته الشائعة في هذا المال فقط. و تجدر الإشارة هنا إلى أن الشريك في كل هذه التصرفات إلتزم بحدود حصته الشائعة في المال الشائع و لم يتجاوزها، أما إذا تصرف في حصة شائعة أكبر من حصته فإن تصرفه فيما يجاوز هذه الحصة لا ينفذ في حق سائر الشركاء؛ فإن كان بيعا مثلا جاز لهم رفع دعوى  ضد الشريك المتصرف و المتصرف إليه بتثبيت ملكيتهم للجزء الزائد دون إنتظار لنتيجة القسمة.

ثانيا: تصرف الشريك في جزء مفرز من المال الشائع:

إذا تصرف الشريك في جزء مفرز من المال الشائع سواء كان هذا الجزء مساويا لحصته في هذا المال أو أقل أو أكثر فإن تصرفه هذا يرد جزئيا على مالا يملك لأن الشركاء الآخرين يشاركونه في الجزء الذي تصرف فيه حتى لو كان معادلا لحصته الشائعة كل بقدر حصته في كل ذرة من ذرات هذا الجزء و بالتالي كان يجب عليه قبل إجراء هذا التصرف الحصول على موافقتهم ليكون نافذا عليهم، و لكن إن قام بالتصرف في هذا الجزء المفرز دون الحصول على موافقتهم طبقت الأحكام التالية:

1.     عدم نفاذ تصرفه في مواجهة باقي الشركاء بمعنى أنه يكون للشركاء الآخرين تجاهل هذا التصرف و إعتباره كأن لم يكن بإعتباره إعتداءا على حقوقهم في الجزء الذي تصرف فيه؛ و لذلك لا يحل المتصرف إليه محل الشريك المتصرف، و لا يكون مالكا على الشيوع مثله، و لا يتمتع بحقوق المالك على الشيوع من إنتفاع بالشئ أو إدارته أو طلب قسمته؛ و يجوز لباقي الشركاء أن يرفعوا دعوى ضد المتصرف و المتصرف إليه لإسترداد الجزء الذي تصرف فيه الشريك دون إنتظار لنتيجة القسمة ووقوع الجزء الذي تصرف فيه في شريك آخر.

2.     صحة التصرف في العلاقة بين الشريك المتصرف و المتصرف إليه ووقف أثره العيني على نتيجة القسمة بمعنى أن تصرف الشريك في الجزء المفرز إلى الغير يكون صحيحا فيما بينهما لأنه لا يوجد سبب لبطلانه و لذا فهو يرتب آثاره فورا في علاقتهما؛ فإن كان بيعا مثلا إلتزم الشريك بأن يسلم هذا الجزء للمشتري و إلتزم أيضا نحوه بضمان التعرض و الإستحقاق مثل أي بائع و كذلك إلتزم المشتري بدفع الثمن المتفق عليه.

غير أن الشريك البائع لن يتمكن من تسليم الجزء المفرز الذي باعه للمشتري إلا بعد القسمة النهائية للمال الشائع ووقوع هذا الجزء في نصيبه نتيجة للقسمة أما قبل ذلك فيستحيل عليه تسليمه بسبب إعتراض باقي الشركاء فما هو الحكم هنا؟

§        قبل القسمة: يتوقف الحكم في هذه المرحلة على ما لو كان الغير المتصرف إليه يعلم أو لا يعلم بأن الشريك المتصرف لا يملك الجزء المبيع ملكية مفرزة، فإن كان لا يعلم بذلك و إعتقد أنه يملكه ملكية مفرزة يكون قد وقع في غلط جوهري يجيز له طلب إبطال العقد تطبيقا للقواعد العامة و لكن عليه أن يبادر إلى طلب الإبطال قبل قسمة المال الشائع فإن لم يطالب به حتى تمت القسمة إنتهى حقه في طلب الإبطال إن وقع الجزء المتصرف فيه في نصيب الشريك المتصرف، و لكن هذا الحق يبقى إن تمت القسمة ووقع هذا الجزء في نصيب شريك آخر. و إن كان يعلم بأن الشريك المتصرف مالك على الشيوع و ليس ملكية مفرزة فإن العقد يبقى صحيحا و لا يجوز للغير أن يطالب بإبطاله لعدم وقوعه في غلط جوهري و يعتبر قابلا لهذا التصرف و عليه أن ينتظر نتيجة القسمة.

§        بعد القسمة:  إذا تمت القسمة فإن الحكم يتوقف على نتيجتها و الأمر لا يخرج عن واحد من فرضين:

1.     أن يقع الجزء المفرز المتصرف فيه في نصيب الشريك المتصرف حينئذ لا تثور مشكلة و يترتب الحق العيني على هذا الجزء بصفة نهائية سواء كان ملكية أو أي حق عيني آخر كالإنتفاع مثلا.

2.     أن لا يقع هذا الجزء في نصيب الشريك المتصرف فيصبح تنفيذ التصرف مستحيلا و لا يترتب الحق العيني على الجزء الآخر الذي آل إلي الشريك بمقتضى القسمة و يحق للمتصرف إليه طلب فسخ العقد و التعويض.

و لم يأخذ القانون الكويتي في هذه الحالة بنظرية الحلول العيني التي أخذ بها القانون المصري في هذه الحالة و التي تقضي بنقل حق المتصرف إليه إلى الجزء الآخر الذي آل إلى الشريك عند القسمة على أساس أنه ليس من المقبول أن يشتري شخص شيئا معينا بالذات و يفرض عليه شئ آخر حتى لو كان معادلا له في القيمة إذ قد لا يحقق هذا الشئ الآخر الغرض الذي قصد تحقيقه من الشئ الأول.

و إن كان الجزء المفرز المتصرف فيه أزيد من النصيب الذي آل إلى الشريك بمقتضى القسمة فإن التصرف يتوقف نفاذه على تملك الشريك المتصرف جزءا آخر من المال الشائع لتكملة القدر الذي تصرف فيه.

ثالثا: تصرف الشريك في المال الشائع كله أو في جزء منه أكبر من حصته الشائعة فيه:

في هذا الفرض الثالث سنطبق نفس الأحكام السابقة بالنسبة لتصرف الشريك في جزء مفرز من هذا المال، فهذا التصرف لا يكون نافذا في مواجهة الشركاء إلا في حدود حصة الشريك المتصرف فقط حيث يحل المتصرف إليه محل الشريك المتصرف في حدود هذه الحصة لا أكثر، أما ما جاوزها فلا ينفذ تصرفه في مواجهتهم و يمكنهم رفع دعوى على المتصرف و المتصرف إليه لتأكيد حقوقهم على هذا المال.

و أما في العلاقة بين الشريك المتصرف و المتصرف إليه فإن التصرف يكون صحيحا و يرتب الإلتزامات بينهما بمجرد إنعقاده، فيلتزم الشريك بتسليم المال المتصرف فيه إلى المتصرف إليه إن كان التصرف بيعا فضلا عن ضمان التعرض و الإستحقاق، و كذلك يلتزم المتصرف إليه بدفع الثمن و يحق له أن يطعن في التصرف بالإبطال إذا لم يكن يعلم أن الشريك المتصرف لا يملك المبيع وحده على أساس الغلط الجوهري.

غير أن نقل الملكية أو ترتيب الحق العيني على المال المبيع و تسليمه للمتصرف إليه لم يتم فعلا إلا إذا وقع هذا المال في نصيب المتصرف عند القسمة، فإن لم يحدث ذلك ووقع في نصيبه مال آخر فإنه لن يستطيع تنفيذ إلتزامه بالتسليم و يحق للطرف الآخر أن يطالب بالفسخ و التعويض، و لا تطبق حينئذ نظرية الحلول العيني حيث لم يأخذ القانون الكويتي كما ذكرنا من قبل.

قسمة المال الشائع – قسمة الملك:

الأول: طلب القسمة، (الثاني) أنواع القسمة و طرقها، (الثالث) آثار القسمة.

أولا: طلب القسمة:

طبقا للمادة (830) فإن طلب القسمة حق لكل شريك مالم يكن مجبرا على البقاء في الشيوع بنص القانون أو بمقتضى تصرف قانوني و هذا الحق يثبت لكل شريك مهما كان مقدار نصيبه في المال الشائع سواءا كان شريكا أصليا أو عرضيا أي دخل الشيوع لا حقا بعد نشأته بأن إشترى حصة شائعة في المال أو تلقاها هبه أو قايض عليها بمال آخر؛ كما يثبت هذا الحق لخلف الشريك سواءا كان الخلف عاما أو خاصا و كذلك لدائن الشريك طلب القسمة عن طريق الدعوى غير المباشرة أي بإسم الشريك إذا تحققت شروط هذه الدعوى. و هذا الحق في طلب القسمة لا يسقط بالتقادم بمعنى أن للشريك أو من يقوم مقامه طلب القسمة في أي وقت مادامت حالة الشيوع قائمة.

 

 

§        إمتناع طلب القسمة:

قد يجبر الشريك على البقاء في الشيوع و يمتنع عليه أن يطلب قسمة المال الشائع إما بنص القانون و إما بتصرف قانوني. أما عن نص القانون فقد نصت المادة (847) مدني على أن المال الشائع يبقى على حاله أي دون قسمة إذا تبين أن الغرض منه لن يتحقق إلا إذا كان شائعا و بالتالي لا يجوز لأي شريك أن يطالب بقسمته. و تطبيقا لهذا النص العام نصت المادة (852) أن الأجزاء المشتركة في ملكية الطبقات و الشقق مثل الأساسات و الأعمدة و الأسقف و الدرج إلى آخره، لا تقبل القسمة.

و أما عن التصرف القانوني فقد يكون عقدا أو وصية فيشتري عدة أشخاص مالا كل له حصة فيه مع الإتفاق فيما بينهم على البقاء في الشيوع خلال مدة معينة تقديرا منهم أن تجزئة هذا المال يقلل من العائد أو الريع الذي يأتي منه و كذلك قد يوصي شخص بمال معين لعدة أشخاص بنسسب معينة مع عدم جواز قسمته بينهم لإعتبارات يقدرها هو حينئذ لا يجوز لأي منهم أن يطلب قسمة هذا المال إحتراما لإرادة الموصي و من لم يقبل منهم هذا الشرط فليس أمامه إلا رفض الوصية. و قد نصت المادة (830) مدني على أن المدة التي يجوز للشركاء الإتفاق على البقاء في الشيوع خلالها هي خمس سنوات لا أكثر حيث قدر المشرع أن هذه المدة هي المدة المعقولة للإبقاء على الشيوع و مازاد عليها يعتبر قيدا غير مقبول على إرادة أي من الشركاء، لذلك أنه إذا إتفق الشركاء على مدة أطول منها فإنها تكون غير ملزمة في حدود الزيادة و من حق كل شريك أن يطالب بالقسمة بمجرد إنتهاء مدة الخمس سنين لا أكثر. و لكن إذا قدر الشركاء أن مصلحتهم تقتضي الإبقاء على الشيوع جازلهم تجديد الإتفاق على مدة ثانية و ثالثة و رابعة إلى آخره، بشرط ألا تزيد كل مدة يجدد إليها الإتفاق على خمس سنين.

و الإتفاق بين الشركاء على البقاء في الشيوع ملزم لخلفهم العام و الخاص سواءا كان يعلم وقت التعاقد مع سلفه بوجود الإتفاق أم لا يعلم تطبيقا لنص المادة (830) فقرة 1 التي تقول "إذا كان الأجل لا يجاوز هذه المدة (5 سنوات) سرى الإجبار في حق الشريك و من يخلفه". كما أن هذا الإتفاق ينطبق أيضا على سائر دائني الشركاء فلا يستطيعون المطالبة بقسمة المال الشائع خلال المدة المتفق بين الشركاء على إستمرار الشيوع فيها طالما لم تتجاوز 5 سنين.

و يجب التنويه إلى أنه لا يلزم أن يدخل جميع الشركاء في الإتفاق على البقاء في الشيوع فقد يتفق بعض الشركاء فقط على ذلك و حينئذ يكون الإتفاق ملزما لهم وحدهم دون غيرهم من الشركاء الذين لم يدخلوا في الإتفاق و يكون لهؤلاء الأخيرون الحق في طلب القسمة في أي وقت كما يشاؤون لأخذ أنصبتهم في المال الشائع دون غيرهم.

و قد أشارت المادة (830) فقرة 2 إلى أنه يجوز للمحكمة بناءا على طلب أحد الشركاء أن تأمر بالبقاء في الشيوع مدة تحددها أو بالإستمرار فيه إلى أجل لاحق للأجل المشروط إذا كانت القسمة ضارة بمصلحة الشركاء لظروف طرأت أثناء الشيوع. كما أن لها أن تأمر بالقسمة فورا رغم وجود إتفاق على البقاء في الشيوع لم تنتهي مدته إلا إذا وجد سبب قوي يبرر الخروج على الإتفاق منعا للتعسف في طلب القسمة أو رفضها.

ثانيا: أنواع القسمة و طرقها:

يوجد نوعان لقسمة المال الشائع: قسمة إتفاقية و قسمة قضائية، و في كليهما يتم تقسيم المال الشائع إما بطريقة عينية أو بطريقة التصفية و هذا ما نوضحه فيما يلي:

أولا: القسمة الإتفاقية:

هذه القسمة تتم بإتفاق الشركاء و يلزم لصحتها طبقا لنص المادة (831) مدني توافر شرطين:

 

الشرط الأول: إجماع الشركاء:

فلا تكفي هنا الأغلبية أيا كان مقدارها لإجراء القسمة الإتفاقية و ذلك خلافا لما رأيناه في إدارة المال الشائع أو في التصرف فيه و بالتالي إذا إعترض أحد الشركاء أيا كان نصيبه في المال الشائع فليس أمام من يريد الخروج من الشيوع سوى طلب القسمة القضائية. و لما كان الإتفاق على القسمة يعتبر عقدا بين الشركاء وجب أن تتوافر فيها أركان العقد و هي الرضا الصحيح و المحل و السبب المشروعين؛ و يمكن أن يكون الرضا ضمنيا إذا إستقل كل شريك بجزء مفرز من المال الشائع دون إتفاق بينهم على ذلك و دون معارضة من أي منهم عليه حينئذ تكون القسمة إتفاقية بالرضاء الضمني.

الشرط الثاني: ألا يوجد حظر تشريعي يحول دون إجراء القسمة الإتفاقية:

بمعنى إنه إذا كان القانون قد حظر الإتفاق على القسمة في بعض الأحوال فإنها تكون غير صحيحة إذا تمت في هذه  الأحوال و يلزم اللجوء إلى القضاء لإجرائها. و قد ورد هذا الحظر في الفقرة الثانية من المادة (831) حيث قالت: "لا يجوز إجراء القسمة بالإتفاق إذا كان أحد الشركاء غير كامل الأهلية مالم يكن له ولي و كذلك إذا كان أحدهم غائبا أو مفقودا و ثبتت غيبته أو فقده". و يقصد بغير كامل الأهلية إما عديم الأهلية أو ناقص الأهلية أيا كان سبب عدم إكتمال أهليته فيستوي أن يكون هذا السبب هو صغر السن أو الإصابة بعارض من عوارض الأهلية و هي الجنون و العته و السفه و الغفلة، فلا يصح لهذا الشريك الإتفاق على القسمة و يحل محله وليه الشرعي إن وجد فإن لم يوجد فلا مناص من اللجوء إلى المحكمة لإجراء القسمة القضائية. و أما الغائب أو المفقود فلا يحل محله النائب (و يسمى وكيل الغائب أو المفقود) في إجراء القسمة حتى و لو حصل على إذن من المحكمة بذلك، و هذا يعني أنه يلزم اللجوء إلى إجراءات القسمة القضائية و ذلك إمعانا من القانون في حماية الغائب و المفقود من إحتمال تهاون أو إهمال وكيل أي منهما في المحافظة على حقوقهما عند القسمة.

فإذا توافر هذان الشرطان كانت القسمة الإتفاقية صحيحة و أما الطريقة التي تتم بها القسمة فللشركاء الحرية في تحديدها. و للقسمة طريقتان: قسمة عينية و قسمة تصفية.

أما القسمة العينية فتتم بتقسيم الشئ إلى عدة أجزاء يتميز كل منها عن الآخر و يختص كل شريك بالجزء أو الأجزاء التي تعادل حصته في المال الشائع. فإذا كان هذا المال يتكون من عدة أشياء مثلا قطعة أرض فضاء و قطعة أخرى أرض مزروعة و منزل و متجر و مصنع إلى آخره، فيمكن أن يختص كل شريك بواحد منها و إن إختلفوا حولها أجريت القرعة فيما بينهم و إذا تعذر التعادل بين حصة الشريك و قيمة الشئ الذي أختص به في القسمة أمكن اللجوء إلى المعدل و هو عبارة عن مبلغ من المال يدفعه الشركاء الآخرون له بما يكمل النقص في قيمة الشئ عن حصته أو يدفعه هو إليهم إن كانت قيمة الشئ أكبر من حصته و بما يعادل الزيادة في قيمة الشئ عن حصته. و حيثما إختص كل شريك بشئ على وجه الإستقلال سواءا مع وجود المعدل أو دون وجوده سميت القسمة قسمة تجميع و هي تقابل ما يسمى قسمة التفريق و هي تعني أنه في حالة تعدد الأشياء التي يتكون منها المال الشائع فإن كل شريك يأخذ جزءا يعادل حصته في كل هذه الأشياء و لا يستأثر أي منهم بشئ على حدة سواءا بمعدل أو بدون معدل. و قد تكون القسمة العينية قسمة كلية إذا تناولت جميع الأموال الشائعة و بها ينتهي الشوع بالنسبة لكل الأموال و بالنسبة لجميع الشركاء. و قد تكون هذه القسمة جزئية إذا تناولت بعض الأموال الشائعة فقط بحيث يأخذ كل شريك جزءا مفرزا من هذه الأموال بما يعادل حصته أما الأموال الأخرى فتبقى شائعة. و قد تنهي هذه القسمة حالة الشيوع بالنسبة لبعض الشركاء دون البعض الآخر حيث يخرج البعض من الشيوع بأخذ حصته من الأموال الشائعة و يظل الشيوع فيما عدا ذلك بالنسبة لباقي الأموال و باقي الشركاء.

و أما قسمة التصفية فتوجد عندما تتعذر القسمة العينية لعدم إمكان تقسيم المال إلى أجزاء مفرزة كما لو كان هذا المال منزلا معد لسكن أسرة واحدة أو لأن تقسيمه عينا يؤدي إلى نقص قيمته إلى حد كبير كما لو كان هذا المال قطعة أرض فضاء معدة للبناء عليها و لو قسمت إلى قطع صغيرة فإنه لن يستطاع البناء عليها على الوجه المطلوب أو أن قيمتها ستقل إلى حد كبير، حينئذ تتم قسمة التصفية حيث يتم عرض المال الشائع للبيع بالمزاد العلني و يقسم ثمنه بين الشركاء كل بحسب حصته فيهز و الأصل أنه يمكن أن يتقدم للمزايدة أي شخص سواءا من الشركاء أو من غيرهم و بضلك تتهئ الفرصة لبيع المال بأعلى سعر ممكن و لكن يجوز أن يتفق الشركاء على قصر المزايدة عليهم لإعتبارات يقدرونها كما لو كان المال الشائع منزلا للأسرة و يريدون أن يبقى بعد البيع في يد أحدهم و لا يذهب إلى الغير. و إذا رسى المزاد على أحد الشركاء طبقت أحكام القسمة أما إذا رسى المزاد على الغير طبقت أحكام البيع.

إبطال القسمة الإتفاقية للغبن و تفادي هذا الإبطال:

أجازت المادة (832) مدني الطعن في القسمة الإتفاقية و إبطالها إذا وقع فيها غبن فاحش على أحد المتقاسمين بغض النظر عما إذا كانت القسمة عينية أو قسمة تصفية و بصرف النظر عما إذا كانت القسمة كلية أو جزئية و لكن يشترط أن يكون الغبن قد تجاوز خمس (1/5) قيمة المال محل القسمة أما إذا كان أقل من ذلك فهو غبن يسير يجب التسامح فيه و العبرة في تقدير هذا الغبن وقت إجراء القسمة لا قبلها و لا بعدها، و يقع إثبات هذا الغبن على الشريك المتقاسم الذي يدعيه و له أن يستخدم كافة طرق الإثبات طبقا للقواعد العامة لأن الإثبات هنا ينصب على وقائع مادية و ليس تصرفات قانونية. كما يجب على هذا المتقاسم أن يرفع دعوى الإبطال على جميع الشركاء الذين إتفقوا على القسمة خلال مدة سنة واحدة من تاريخ القسمة و هذه المدة هي مدة سقوط لا تقبل الوقف و لا الإنقطاع و تسري في حق الشريك و لو كان يجهل خلالها الغبن الذي لحق به فإذا لم يرفع الشريك دعوى الإبطال خلال هذه المدة زال عن القسمة خطر الإبطال نهائيا. و إذا قررت المحكمة إبطال القسمة أعتبرت كأن لم تكن و أعيد المتقاسمون إلى حالة الشيوع التي كانوا عليها قبل إجراء القسمة.

و يجوز للمتقاسمين الآخرين أن يتفادوا إبطال القسمة للغبن إذا أكملوا نصيب ذلك المتقاسم المغبون عينا أو نقدا بما يرفع عنه الغبن كلية بحيث يصبح نصيبه مساويا تماما لقيمة ماله من حصة شائعة و هذا الحق للمتقاسمين الآخرين يبقى حتى بعد صدور الحكم بإبطال القسمة طالما أنه لم يصبح نهائيا بل أنه يبقى في نظر بعض الفقه بعد صيرورة هذا الحكم نهائيا طالما لم يتم تنفيذه فعلا.

ثانيا: القسمة القضائية:

هذه القسمة تتم عن طريق القضاء و هي تكون ضرورية إذا تعذرت القسمة الإتفاقية إما لأن الشركاء لم يجمعوا عليها و إما لأن أحد الشركاء غير كامل الأهلية و ليس له ولي شرعي أو غائب أو مفقود و حينئذ فإن من يريد من الشركاء الخروج من الشيوع يكون مضطرا إلى اللجوء إلى المحكمة الكلية بدعوى يرفعها على الشركاء الآخرين بغض النظر عن قيمة المال الشائع المطلوب قسمته تطبيقا للمادة (833) مدني كويتي. و يجب رفع هذه الدعوى على جميع الشركاء الآخرين في الشيوع حتى يكون الحكم فيها حجة عليهم فإذا أغفل أحدهم أو بعضهم كان لهؤلاء أن يتدخلوا فيها من تلقاء أنفسهم، كما يجوز للمحكمة أن تدخلهم فيها من تلقاء نفسها ليكون حكمها حجه عليهم. كما يجوز لدائني أي شريك أن يطلبوا إجراء القسمة القضائية بدعوى غير مباشرة بإسم الشريك المدين و ليس بإسمهم هم.

كيفية إجراء القسمة القضائية

كما ذكرنا في القسمة الإتفاقية فإن القسمة قد تكون عينية أو بطريق التصفية، و القسمة العينية هي الأصل فإن كانت ممكنة فليس للمحكمة أن تلجأ لقسمة التصفية، و للمحكمة أن تندب خبيرا أو أكثر لإفراز الأنصبة إذا كان المال يقبل القسمة عينا دون نقص كبير في قيمته. و الأصل في القسمة العينية هو تقسيم المال الشائع على أساس أصغر حصة فيه؛ فإذا إفترضنا أن المال الشائع مملوكا لأربعة أشخاص لأحدهم النصف و للثاني الربع و لكل من الثالث و الرابع الثمن (1/8) قسم المال على أساس أصغر حصة و هي الثمن، بمعنى أنه يقسم إلى ثماني حصص متساوية ثم توزع هذه الحصص على الشركاء كل بنسبة نصيبه في المال الشائع عن طريق الإقتراع (أي إجراء قرعة) و تثبت المحكمة ذلك في محضرها ثم تصدر حكما بإعطاء كل شريك نصيبه المفرز كما حددته القرعة. و نظرا لما يترتب على هذه الطريقة من تجزئة نصيب الشريك الذي يملك حصة كبيرة في المال الشائع إلى أجزاء صغيرة متناثرة مما قد يضر به، أجازت المادة (843) فقرة (1) للمحكمة إستبدالها بالقسمة بطريق التجنيب بأن تجنب لكل شريك جزءا مفرزا من المال الشائع يعادل حصته.

و يجوز دائما مع القسمة العينية أيا كانت أن يوجد ما يسمى معدل القسمة و هو مبلغ من المال يدفعه الشريك الذي أخذ نصيبا مفرزا من المال الشائع يزيد على حصته إلى الشريك الذي أخذ نصيبا أقل منظورا إليها وقت القسمة طبقا للمادة (834) فقرة (3).

و إذا نازع أحد الشركاء في تكوين الحصص أو إدعى الغير ملكية جزء من المال الشائع المراد تقسيمه وجب على المحكمة طبقا للمادة (835) أن تفصل أولا في هذه المنازعه قبل أن تحكم بإعطاء كل شريك نصيبه المفرز.

و أما قسمة التصفية فلا تلجأ إليها المحكمة إلا إذا تعذرت القسمة العينية أو كان من شأنها إحداث نقص كبير في قيمة المال الشائع حيث يتم بيع المال بالمزاد العلني المفتوح للجميع أو المقصور على الشركاء و يوزع ثمنه عليهم كل بحسب نصيبه فيه. و إذا طلب الشركاء قصر المزايدة عليهم دون الغير و كان بينهم غائب أو مفقود أو غير كامل الأهلية و لا يمثله الولي الشرعي فلا يجوز للمحكمة أن توافق على هذا الطلب رعاية لمصلحة هؤلاء الأشخاص في الحصول على أعلى ثمن من بيع المال الشائع و هو لا يتحقق إلا إذا كانت المزايدة مفتوحة للجميع.

و يجوز لدائني الشركاء المتقاسمين أن يعترضوا أيضا على قصر المزايدة على الشركاء دون الغير و ذلك من خلال تدخلهم في دعوى القسمة رعاية لمصلحتهم في بيع المال الشائع بأعلى ثمن، و من ثم يمكن للمحكمة رفض قصر المزايدة على الشركاء دون غيرهم و لو أجمعوا عليها إذا كانت هناك أسباب مقبولة و مبررات منطقية لإعتراض الدائنين عليها.

حماية دائني الشركاء المتقاسمين:

تقضي القواعد العامة بأنه يجوز للدائنين أن يرفعوا دعوى القسمة بإسم مدينهم الشريك على الشيوع كما سبق أن ذكرنا، كما تقضي هذه القواعد العامة بأن لدائن الشريك المتقاسم حق التدخل في دعوى القسمة، التي رفعها هذا الشريك أو رفعت عليه، بإعتباره صاحب مصلحة فيها حيث يمكنه مراقبة سير إجراءات الدعوى ليتأكد من حصول مدينه على نصيبه العادل في المال الشائع دون نقص بما يضمن له إستيفاء حقه فيه.

و لكن قد يحدث عملا أن ترفع دعوى القسمة من أحد الشركاء على الشريك المدين دون أن يعلم بها الدائن مما يفوت عليه فرصة التدخل فيها للدفاع عن مصلحته. و في القسمة الإتفاقية قد يحدث أن يتواطأ الشركاء المتقاسمين للإضرار بحقوق الدائن و من ذلك مثلا أن يتفق الشريك المدين مع بقية الشركاء على أن يختص بأموال يسهل إخفاؤها كالنقود أو المجوهرات فلا يصل إلأيها دائنه، أو يتفق معهم على أن يختص بحصة عينية تقل عن نصيبه في المال الشائع و يكمل نصيبه بنقود يقبضها منهم دون علم دائنه و يخفيها عنه فلا يتمكن الدائن من إستيفاء حقه لديه. لهذا كفل القانون بنص المادة (837) حماية خاصة لدائني الشركاء المتقاسمين سواءا كانت القسمة قضائية أو إتفاقية لضمان حصولهم على حقوقهم. و طبقا لهذه المادة فإنه يجب التفرقة بين طائفتين من الدائنين: الطائفة الأولى هي الدائنون المشهرة حقوقهم قبل رفع دعوى القسمة أو قبل إبرام القسمة الإتفاقية (و يقصد بهم الدائنون الذين لهم ضمانات عينية على المال كرهن أو إمتياز و تم شهرها في مصلحة الشهر العقاري). الطائفة الثانية هي الدائنون العاديون الذين ليست لهم ضمانات عينية على المال و تم شهرها في الشهر العقاري. أما عن الطائفة الأولى فيجب إدخالهم في القسمة سواءا كانت قضائية أو إتفاقية؛ فإن كانت القسمة قضائية و تم إدخالهم في الدعوى فإن المحكمة هي التي تقدر طلبات الدائنين و تحكم فيها بما تراه محققا لمصالح المتقاسمين و الدائنين معا. و إن كانت القسمة إتفاقية فيجب على المتقاسمين من تلقاء أنفسهم إدخال هؤلاء الدائنين فيها و لا تتم القسمة إلا بإتفاقهم جميعا بما في ذلك الدائنون، فإن إختلفوا فلا مفر من اللجوء إلى المحكمة لإجراء القسمة القضائية. و إذا لم يتم إدخال الدائنين في القسمة سواءا كانت قضائية أو إتفاقية فإنها لا تكون نافذة في حقوقهم و يمكنهم الطعن فيها على أساس أنها تمت في غيبتهم و لا يجوز أن تسري عليهم و حينئذ يجب إعادة القسمة من جديد بحضورهم.

و أما عن الطائفة الثانية و هم الدائنون العاديون فلا يلتزم الشركاء المتقاسمون بإدخالهم في القسمة سواءا كانت قضائية أو إتفاقية و لكن يمكن لهؤلاء الإعتراض على أن تتم القسمة القضائية في غيبتهم و تكون المعارضة بإنذار رسمي يوجهه الدائن إلى جميع الشركاء المتقاسمين، فإن وجهه إلى بعضهم فقط كانت القسمة التي تتم في غيبته نافذة في حقه و أما إذا أنذر الجميع وجب عليهم إدخاله في القسمة و إلا كانت غير نافذة في حقه. و هذه المعارضة لا تكون في القسمة الإتفاقية حتى و لو لم يدخل الدائنون العاديون فيها و لكن يمكنه الطعن في هذه القسمة بعد تمامها بدعوى عدم نفاذ التصرف (الدعوى البوليصية) إذا توافرت شروطها حتى لا تسري في حقه.

آثار القسمة:

يترتب على القسمة سواءا كانت إتفاقية أو قضائية أثران: الأول: إفراز المال الشائع، الثاني: ضمان المتقاسمين؛ و نشرحهما تباعا.

الأثر الأول: إفراز المال الشائع:

معناه تحول الملكية الشائعة إلى ملكية مفرزة حيث يحصل كل شريك على جزء مفرز من المال الشائع يعادل ما كان له من حصة شائعة فيه أيا كان نوع هذا المال، منقولا كان أو عقارا. و قد نصت المادة (838) مدني على أنه: "يعتبر المتقاسم مالكا وحده للنصيب المفرز الذي اختص به في القسمة. و تكون ملكيته له خالصة من كل حق رتبه غيره من الشركاء مالم يكن الحق قد تقرر بإجماع الشركاء أو بأغلبيتهم وفقا للقانون". مفهوم هذا النص أنه إذا قام أحد الشركاء أو بعضهم بترتيب حق عيني أصلي كحق الإنتفاع أو تبعي كحق الرهن على جزء مفرز من المال الشائع ثم وقع هذا الجزء عند القسمة في نصيب شريك آخر، فإن هذا الشريك الأخير يتلقى الجزء المفرز الذي آل إليه خاليا من الحق العيني الذي لا يكون نافذا في مواجهته و لا يكون أمام من ترتب الحق لصالحه و هو المنتفع أو المرتهن سوى الرجوع على من رتبه طبقا للقواعد العامة. أما إذا كان الحق قد ترتب بإجماع الشركاء أو بأغلبية ال ¾ منهم فإنه يكون نافذا في حق أي شريك يختص بمقتضى القسمة بالجزء الذي ترتب عليه.

مصير الحقوق العينية التي رتبها الشريك على حصته الشائعة قبل القسمة:

إذا رتب أحد الشركاء المتقاسمين حقا عينيا أصليا أو تبعيا على حصته الشائعة قبل القسمة فإن هذا الحق ينتقل طبقا للمادة (839) إلى نصيب هذا الشريك بما يعادل قيمة الحصة التي كانت مثقلة بالحق العيني، و هذا يعني أنه إذا كانت قيمة هذه الحصة أقل من قيمة النصيب الذي آل إلى الشريك في القسمة فإن الحق الذي كان مقررا عليها سينتقل إلى جزء من هذا النصيب و ليس إليه كله. و يتم تعيين هذا الجزء في الأصل بالإتفاق بين صاحب الحق العيني و الشريك المتقاسم فإن تعذر الإتفاق بينهما تم تعيين هذا الجزء بواسطة المحكمة. و لن يضار الشركاء الآخرون من تصرف الشريك في هذه الحالة لأنهم يتلقون أنصبتهم عند القسمة خالية من الحق الذي رتبه شريكهم على حصته.

 

الأثر الثاني: ضمان المتقاسمين:

مفهوم الضمان: هو أنه بعد قسمة الإفراز يضمن المتقاسمون بعضهم لبعض ما قد يقع لأي منهم في نصيبه المفرز من تعرض أو إستحقاق، و تفصيل ذلك أنه بعد قسمة الإفراز و إنفراد كل شريك بالجزء الذي يخصه في المال الشائع قد يفاجئ أحدهم بأن الغير يدعي أنه مالك لهذا الجزء أو أن له عليه حقا عينيا آخر مثل حق الإنتفاع أو الإرتفاق، و يعتبر إدعاء الغير حينئذ تعرضا للمتقاسم في نصيبه المفرز. فإذا قضي لهذا الغير بما يدعيه فإن الشريك المتقاسم يفقد نصيبه كلية أو ستنقص قيمة هذا النصيب بحسب إدعاء الغير الذي قضي بصحته و إستحقاقه للحق الذي يدعيه على نصيب الشريك المتقاسم؛ و في الحالتين يجب على بقية الشركاء في القسمة دفع التعرض الذي وقع للشريك من جانب الغير و تعويضه عن قيمة النصيب الذي فقده أو ما أصاب هذا النصيب من نقص في قيمته إذا نجح الغير في تعرضه و هذا ما يطلق عليه إسم ضمان التعرض و الإستحقاق.

إختلاف أحكام الضمان بحسب وقت نشوء سببه:

تختلف أحكام الضمان بحسب ما كان سببه سابقا على القسمة أو لاحقا لها على التفصيل التالي:

أولا: الضمان لسبب سابق على القسمة:

طبقا لنص المادة (840) فقرة (1) فإن كل شريك متقاسم يضمن لغيره من الشركاء المتقاسمين ما يقع في النصيب الذي اختص به من تعرض أو إستحقاق و يشترط لهذا الضمان الشروط الآتية:

1.     أن يكون التعرض قانونيا إذا صدر من الغير: بمعنى أنه يجب أن يدعي الغير المتعرض أن له حقا على النصيب الذي آل إلى الشريك بمقتضى القسمة سواء كان الحق عينيا كالملكية أو الإنتفاع أو الرهن، أو شخصيا كالإيجار إذا كان هذا الإيجار نافذا في حق الشريك لأن تاريخه ثابت و سابق على القسمة. فإن كان تعرض الغير ماديا محضا يعتمد على مجرد حيازته للمال دون أن يدعي أن له حقا في هذه الحيازة فلا يكون محلا للضمان و على الشريك الذي حصل له هذا التعرض المادي أن يلجأ إلى سلطات الدولة و هي الشرطة و القضاء طالبا دفع هذا التعرض. و هذا الشرط لا يوجد في التعرض الشخصي من الشريك لشريكه إذ يجب عليه الإمتناع عن التعرض و لو كان تعرضه ماديا محضا طبقا لقاعدة "من وجب عليه الضمان إمتنع عليه التعرض".

2.     أن يكون التعرض حالا: أي أنه وقع بالفعل و ليس مجرد إحتمال قد يقع و قد لا يقع، كما لا يكفي مجرد التهديد بالتعرض حتى ولو كان الشريك المتقاسم يعلم بأن للغير حقا على الشئ الذي وقع في نصيبه. و يتم التعرض الفعلي عادة برفع دعوى من الغير على الشريك بحقه على الجزء المفرز الذي آل إليه.

3.     أن يكون سبب الضمان نشأ قبل القسمة : بمعنى أن الحق الذي يدعيه الغير على النصيب المفرز الذي آل إلى المتقاسم وجد أثناء الشيوع و قبل تقسيم المال الشائع على الشركاء و مثل ذلك أن يدعي الغير أنه إشترى المال الشائع من أحد الشركاء على الشيوع و يطالب بإخراج الشريك المتقاسم من الشئ الذي آل إليه بمقتضى القسمة على أساس أنه المالك له، فإن كان السبب راجعا إلى ما بعد القسمة مثل التقادم الذي لم تكتمل مدته إلا بعد القسمة فلا ضمان على المتقاسمين الآخرين و على الشريك أن يدفع هذا التعرض بنفسه لأنه قد تسلم نصيبه وقت القسمة خاليا من أي حق للغير فإن نشأ عليه حق بعد ذلك فلا يسألون عنه.

4.     ألا يكون التعرض أو الإستحقاق راجعا إلى خطأ الشريك المتقاسم نفسه كما لو أقر بحق الغير على النصيب الذي آل إليه بمقتضى القسمة ثم تبين أن هذا الحق لا وجود له، و أيضا لو أهمل في أن يطلب من شركائه التدخل في دعوى الإستحقاق التي رفعها الغير عليه فقضي فيها لهذا الغير بالحق الذي يدعيه رغم أنه كانت لديهم وسائل قوية لدفع هذه الدعوى و رفضها.

 

آثار الضمان:

إذا نجح الغير في تعرضه للشريك المتقاسم و إستحق نصيب هذا الشريك كليا أو جزئيا، فإن لهذا الشريك الرجوع على شركائه الآخرين، طبقا للمادة (840) فقرة (2)، بواحد من أمرين:

الأول: فسخ القسمة و إعادتها من جديد و لكن يشترط لإجراء الفسخ و إعادة القسمة من جديد توافر شركين:

1.     أن يكون الفسخ ممكنا و لا يكون كذلك إذا كان المتقاسمون كلهم أو بعضهم قد تصرفوا في أنصبتهم كليا أو جزئيا أو أجروا عليها تعديلات أو تحسينات جوهرية.

2.     ألا يترتب على الفسخ ضرر بالمتقاسمين أو بالغير كما لو كان الشريك الآخر رتب على النصيب الذي آل إليه رهنا لصالح دائنه و سوف يضار الدائن بعودة هذا النصيب إلى الشيوع، أو يكون في إعادة الشيوع مرة ثانية عودة للمشاكل التي كانت متفاقمة بين الشركاء المتقاسمين قبل القسمة.

الثاني: التعويض، و يكون التعويض عندما يتعذر إعادة القسمة من جديد أو عندما تكون ممكنة و لكن لا يطلب الشريك فسخ القسمة القائمة و يطلب بدلا من الفسخ التعويض عما أصاب هذا الشريك من ضرر بسبب إستحقاق الغير لنصيبه كليا أو جزئيا؛ و هذا التعويض يقدر على أساس قيمة الأشياء التي قسمت وقت الإستحقاق و ليس وقت القسمة و يضاف إليها النفقات التي يكون الشريك قد تكبدها في دفع تعرض الغير. و يوزع التعويض على الشركاء المتقاسمين بمن فيهم الشريك الذي أستحق نصيبه كل بنسبة حصته في المال الشائع، فإن كان أحد المتقاسمين معسرا وزع نصيبه في التعويض بمن فيهم الشريك مستحق الضمان فيتحملون هذا النصيب كل بقدر حصته. ويكون حق الشريك المتقاسم في الرجوع على الآخرين من شركائه مضمونا بإمتياز المتقاسم المنصوص عليه في المادتين (1079) و (1082) مدني، و مقتضى هذا الإمتياز أن يأخذ الشريك حقه من حصصهم في المال الذي تمت قسمته مفضلا على غيره من دائنيهم بقوة القانون.

إلتزام الشريك الذي حدث له التعرض بإدخال الشركاء المتقاسمين في دعوى الإستحقاق و إنقضاء حقه في الرجوع عليهم:

إذا أقيمت دعوى الإستحقاق من الغير على الشريك المتقاسم تعين عليه إخطار شركائه الآخرين بهذه الدعوى لكي يتدخلوا فيها، فإن تدخلوا فيها و رفضت الدعوى فلا يلتزمون نحوه بشئ بطبيعة الحال، و أما إن حكم فيها بإستحقاق الغير لحصة الشريك كليا أو جزئيا أو بثبوت حق له عليها إلتزموا بالضمان مالم يثبت أن خسارة الشريك للدعوى كانت نتيجة إهماله في الدفاع عن حقه أو نتيجة خطاه الجسيم في هذا الدفاع أو نتيجة غش منه بأن إتفق مع الغير على التسليم له بحقه للإضرار بشركائه المتقاسمين.

فإذا لم يخطر شركائه بالدعوى أصلا و حكم فيها للغير بالإستحقاق فلا ضمان عليهم إذا أثبتوا أنهم لو تدخلوا فيها لكانت قد رفضت لما يوجد لديهم من مستندات و أدلة تدحض إدعاء الغير بالإستحقاق. و ينقضي الحق في رجوع الشريك على شركائه بالضمان بمضي (15) سنة من تاريخ الإستحقاق تطبيقا للقواعد العامة.

ثانيا: الضمان لسبب لاحق على القسمة:

طبقا للمادة (841) فإنه إذا تمت القسمة و أخذ كل شريك نصيبه المفرز ثم وقع تعرض من الغير لأحد الشركاء في نصيبه و حكم لهذا الغير بالإستحقاق و تبين أن سبب هذا التعرض و الإستحقاق يرجع إلى فعل أحد الشركاء المتقاسمين بعد القسمة، فإن هذا الشريك وحده هو الذي يلتزم بتعويض ما فقده الشريك المستحق للضمان دون غيره من الشركاء المتقاسمين. و يمكن أن يحدث ذلك في المثال التالي: أن يبيع شريك على الشيوع أحد العقارات الشائعة للغير و قبل تسجيل عقد البيع تمت القسمة ووقع العقار المبيع في نصيب شريك آخر غير البائع ثم قام هذا الشريك البائع بتسجيل عقد البيع للغير قبل تسجيل القسمة حينئذ يصبح هذا العقار مستحقا للغير بدلا من الشريك المتقاسم و يكون السبب هو فعل شريكه اللاحق على القسمة أي تسجيل العقد للمشتري، و من ثم فعليه وحده أن يتحمل نتيجة فعله و يعوض شريكه عما فقده. و يقدر التعويض المستحق للشريك بحسب قيمة المال وقت الإستحقاق و ليس وقت القسمة و لا يجوز الإتفاق على غير ذلك لأن هذا النص، المادة (841)، من النصوص الآمرة التي لا يجوز الإتفاق على خلافها.
 

أسباب كسب الملكية

نظم المشرع الكويتي أسباب كسب الملكية و هي سبعة:
1.     الإستيلاء.   2. الإلتصاق.            3. التصرف القانوني.             4. الحيازة.
1.     الشفعة.      6. الميراث.             7. الوصية.
و سنقتصر على دراسة ثلاثة منها فقط هي: الإستيلاء و الإلتصاق و الحيازة، أما الأربعة الأخرفلن ندرسها، إما لأنها تدرس في مجالات أخرى و هي نظرية العقد بالنسبة للتصرف القانوني، و الأحوال الشخصية بالنسبة للميراث و الوصية، و إما لعدم أهميتها العملية في الكويت و هي الشفعة نظرا لإقتصارها على الشركاء في الشيوع عندما يبيع شريك جزءا شائعا من المال لأجنبي عن الشركاء بشرط أن لا يكون هذا البيع بالمزاعد العلني و أن لا يكون البيع قد وقع بين الأصول و الفروع، أوبين الزوجين، أو بين الأقارب للدرجة الثانية (م.893).
أولا: الإستيلاء:
الإستيلاء هو تملك شئ مباح بسبب وضع اليد عليه بنية تملكه.
§        عناصر التملك بالإستيلاء
طبقا للمادة (875) فإنه يشترط لتملك شئ بالإستيلاء عليه، توافر عنصرين:
1)    وضع اليد على الشئ بمعنى إحرازه و الإستحواذ عليه ماديا مثل إلتقاط شئ متروك في الطريق العام أو صيد الأسماك من البحار أو أحد الحشائش من الصحراء. و لا يشترط أن يتحقق وضع اليد فعلا على الشئ و يكفي أن يكون وقوعه في يد الشخص أمرا محتما لا يمكنه الفرار منه مثل وقوع الحيوان في حفرة حفرها له الصياد و لا يستطيع الخروج منها، أو وقوع السمك في شبكة الصياد بحيث لا يتمكن من الإفلات منها، و ينطبق نفس الحكم على الطيور البرية التي أصابها الصياد بسلاحه قبل أن يقبض عليها.
2)    نية التملك: أن يكون واضع اليد على الشئ قد قصد بذلك أن يكون مملوكا له و لم يقع مصادفة في قبضته و لذلك فإن من يلتقط شيئا من الطريق العام بدافع الفضول للتعرف عليه، لا يملكه حتى لو بقي في يده بعض الوقت قبل التخلص منه؛ و إذا نصب صياد شبكة على شجرة في الطريق العام بقصد إصلاحها أو تجفيفها فعلق بها طائر دون أن تكون لدى صاحب الشبكة نية إصطياده فلا يتملكه بالإستيلاء بالرغم من سيطرته عليه و عدم قدرة الطائر على الإفلات منه.
و لكي تتوافر هذه النية في الشخص واضع اليد يجب أن يكون مميزا أي مدركا لأفعاله و لا تشترط فيه الأهلية الكاملة للتصرفات القانونية لأن وضع اليد عمل مادي محض و ليس تصرفا قانونيا.
و الأصل أن يعتبر وضع اليد على الشئ أو إحرازه قرينة على توافر نية التملك إلى أن يثبت العكس؛ و قاضي الموضوع هو من يستخلص هذه النية من الظروف المحيطة.
§        مجال أو نطاق الإستيلاء:
المعنى هو تحديد الأشياء التي يرد عليها الإستيلاء و قد نصت المادة (875) على أن الإستيلاء ينحصر في المنقولات التي لا مالك لها. فلا يرد الإستيلاء على العقارات لأنها لا يمكن أن تكون بغير مالك حيث أن الدولة مالكة لكل عقار لا مالك له. و يقتصر الإستيلاء على المنقولات المادية دون المعنوية كالأفكار و غيرها لأن الأولى هي التي تقبل وضع اليد دون الثانية، فلو تخلى فنان عن لوحة رسمها و قام بتمزيقها و إلقائها في سلة المهملات ثم جاء شخص آخر و أخذها و أصلحها بنية تملكها فإنه يكون مالكا للورقة التي يوجد عليها الرسم فقط، و أما الرسم ذاته بإعتباره عملا فنيا فإنه يبقى لصاحبه و لا يمكن لمن إستولى على الورقة أن ينسبه لنفسه أو أن ينشره أو يعرضه في معرض بإعتباره مالكا له، و الأمر كذلك في الإسطوانة التي تحمل لحنا موسيقيا تخلى عنها الملحن أو الكتاب الذي تخلى عنه مؤلفه، ففي كل هذه الأحوال يوجد حق أدبي للمؤلف على مضمون إنتاجه الفكري و لا يمكن أن ينتقل إلى الغير بالحيازة لأنه يستعصي عليها، أي لا يمكن حيازته ماديا.
و يلزم أن يكون المنقول المادي مباحا أي غير مملوك لأحد و لا يوجد ما يحول دون تملكه قانونيا و بالتالي لا يوجد الإستيلاء إذا كان الشئ في حيازة شخص آخر أو يوجد ما يحول قانونا دون تملكه كما لو حظرت الدولة صيد بعض الطيور أو الحيوانات.
و المنقولات المباحة طائفتان هما: (1) المنقولات المشتركة؛ (2) المنقولات المتروكة.
أما المنقولات المشتركة فهي التي يمكن للجميع الإفادة منها دون عائق لأنها غير مملوكة لأحد مثل مياه البحار و الأنهار و الأسماك الموجودة فيها، و الحيوانات غير الأليفة في الصحراء و الطيور في الهواء؛ فإذا إستأثر شخص ببعضها كما لو أخذ جزءا من مياه البحر في زجاجة أو إصطاد طيرا في الهواء أو حيوانا في الصحراء فإنه يصبح مملوكا له.
و يشترط في صيد الطيور و الحيوانات غير الأليفة أن يكون في مكان عام مفتوح للجميع، فإن كان المكان خاصا فلا يجوز الصيد فيه إلا بإذن صاحبه مثل المزارع السمكية أو أبراج الحمام. و إذا تم الإصطياد في هذا المكان دون الحصول على إذن صاحبه أعتبر سرقة للشئ الذي حصل عليه الصياد و يعاقب بعقوبة السرقة.
و إذا دخل حيوان غير أليف أرض الغير أو مر فوقها طائر ليس مملوكا له جاز إصطياده في هذه الأرض، إلا أن يكون صاحبها قد حظر دخولها و الصيد فيها.
و إذا حاز شخص حيوانا غير أليف أو طيرا عن طريق الصيد ثم فر منه دون إرادته فإنه لا يصبح مباحا إلا إذا كف هذا الشخص عن تتبعه للقبض عليه، فإن تتبعه فلا يجوز للغير إصطياده لأنه لم يصبح مباحا بعد.
و أما المنقولات المتروكة فهي التي تكون مملوكة لشخص ما و تخلى عنها نهائيا و يكون ذلك بترك حيازتها بنية النزول عنها مثل الملابس و الأدوات القديمة التي يستغني عنها مالكها لعدم حاجته إليها فيلقي بها في الطريق أو سلة المهملات. و عادة ماتكون هذه المنقولات ذات قيمة ضئيلة و لهذا يستغني عنها أصحابها و لكن قد تكون ذات قيمة كبيرة.
و لا تعتبر السيارات و المركبات المعطلة التي يتركها أصحابها على جوانب الطرق مباحة يجوز الإستيلاء عليها إلا إذا تبين أنهم قصدوا التخلي عنها نهائيا، و يستفاد ذلك من طول بقائها في مكانها في الطريق العام دون إصلاح أو حراسة.
§        حكم الأشياء الضائعة أو المفقودة (اللقطة)
هذه الأشياء يفقدها أصحابها رغم إرادتهم و ليست لديهم نية التخلي عنها أو تركها و بالتالي فإنها تظل مملوكة لهم و لا يجوز للغير تملكها عن طريق الإستيلاء عليها لأنها ليست أشياء مباحة. و معيار التمييز بين الأشياء المتروكة و الأشياء المفقودة يتمثل في توافر نية التخلي عن الشئ من عدمها و يترك لقاضي الموضوع عند الإختلاف بين الأطراف إستخلاص هذه النية من خلال الظروف المحيطة. و من أمثلة الأشياء الضائعة أو المفقودة الحيوانات الأليفة كالكلاب و القطط إذا خرجت من حيازة صاحبها دون إرادته حيث تظل مملوكة له حتى لو ضلت الطريق إلى مكانها، و لا تصبح مباحة إلا إذا كف عن البحث عنها و إتضح أنه قصد التخلي عنها نهائيا و من أمثلة الأشياء الضائعة أو المفقودة أيضا الحقائب أو الأمتعة أو النقود التي يفقدها أصحابها في وسائل المواصلات المختلفة فيجب على من يجدها أن يردها إلى أصحابها فإن لم يتيسر له ذلك سلمها إلى أقرب مركز للشرطة للتصرف فيها و قد نصت المادة (218) من قانون الجزاء الكويتي على أنه: "يعد سارقا من يلتقط شيئا مفقودا بنية إمتلاكه سواءا توافرت لديه هذه النية وقت الإلتقاط أو بعد ذلك".
§        حكم الكنوز:
الكنز هو منقول مادي مخبوء أو مدفون، له كيان مستقل عن المكان المخبوء أو المدفون فيه، يستوي في ذلك أن يكون قديما أو حديثا أو أن تكون له قيمة مالية كبيرة أو صغيرة، و لا يعرف مالكه.
طبقا لهذا التعريف فإنه يجب أن تتوافر في المال حتى يصدق عليه وصف الكنز الشروط التالية:
1.     أن يكون منقولا و ليس عقارا و بالتالي فإن العقارات التي توجد مدفونة في باطن الأرض كالأعمدة الخرسانية أو القبور لا تعتبر كنوزا بل جزءا من الأرض التي وجدت بها و مملوكة لصاحبها مالم تكن من الآثار حيث تعتبر مملوكة للدولة.
2.     أن يكون المنقول مخبوءا أو مدفونا أي خفيا عن الأنظار فإن كان ظاهرا فإنه لا يعتبر كنزا بل يعتبر شيئا ضائعا أو مفقودا و يسري عليه حكمه. و الإخفاء غالبا ما يكون في عقار خصوصا باطن الأرض و لكن يمكن أن يكون الإخفاء في منقول مثل الأوراق المالية أو المشغولات الذهبية المخبوءة في درج سري بمكتب أو دولاب أو بين صفحات كتاب و لا يهم مدة الإخفاء فيستوي أن تكون طويلة أو قصيرة.
3.     أن تكون شخصية مالك المنقول غير معروفة عند العثور عليه و لم يستطع أحد أن يثبت ملكيته له فإن كانت شخصية المالك معروفة وقت العثور على الكنز أو عرفت بعد ذلك كان الكنز مملوكا له أولورثته إن كان قد توفي.
 
 
ملكية الكنز
طبقا للمادة (877) مدني فإن خمس () الكنز لمن يعثر عليه و الباقي وهو أربع أخماس ( ) الكنز يكون لمالك الشئ الذي وجد فيه الكنز، أو لمالك رقبته، فإن كان الشئ موقوفا يكون هذا النصيب من حق الواقف أو ورثته و لا يكون هذا الحق لغير هؤلاء مثل صاحب حق الإنتفاع أو الإستعمال أو السكنى أو الحائز، و الأساس في هذا الحكم هو أن الكنز ليس مالا مباحا و إلا كان لمن عثر عليه و إستولى عليه أن يتملكه، بل هو مملوك لشخص ما و لكن شخصيته غير معروفة و الدليل على ذلك دفن الكنز أو تخبئته في شئ آخر من قبل صاحبه فهذا يبرز رغبته في الإحتفاظ بملكيته و ليس التخلي عنه. و العلة في تقسيم ملكية الكنز بين مالك الشئ أو مالك رقبته و بين من وجده، هي أن المالك كان سيعثر على الكنز يوما ما لأنه في ملكه لولا أن سبقه إلى ذلك من وجده لأن وجود الكنز في ملكه يعتبر قرينة على أنه جزء من هذا الملك و بالتالي قرر القانون له ( )قيمة الكنز. أما من وجده فيأخذ ( )قيمة الكنز مقابل جهده في العثور عليه أو لمجرد حظه في العثور عليه إن وجد الكنز مصادفة دون أن يبذل أي جهد في ذلك. و في حالة الملكية الشائعة توزع () الكنز على الملاك كل بنسبة حصته في المال الشائع و إذا كان المالك هو الدولة فإنها تأخذ هذا النصيب أيضا مثل الأفراد و ينطبق نفس الحكم إذا وجد الكنز في أرض أو عقار لا مالك له حيث تكون الدولة هي المالك في هذه الحاله. و إذا تعدد من وجدوا الكنزإستحقوا جميعا خمسه ( ) بالتساوي فيما بينهم. و إذا ظهر مالك الكنز بعد توزيع قيمته على النحو المذكور أمكنه إسترداده ممن أخذه مالم يحل دون ذلك سبب آخر لإكتساب ملكيته من جانب حائزه مثل قاعدة "الحيازة في المنقول سند الملكية" أو التقادم طويل المدة.
§        حكم الآثار:
الآثار هي عقارات أو منقولات غالبا ماتكون مدفونة في باطن الأرض و تكون لها قيمة حضارية و ثقافية بإعتبارها تمثل جزءا من التراث القومي للأمة و يجب حمايتها و صيانتها حتى تدوم و تنتقل من جيل إلى جيل لتكون رمزا لحضارة الأمة و تاريخها. و ينظم الآثار في الكويت المرسوم الأميري رقم 11 لسنة 1960 و هو يعتبرها من أملاك الدولة و طبقا للمادة الثالثة من هذا المرسوم فإن الشئ الأثري هو كل شئ صنعه الإنسان أو أنتجه قبل 40 سنة ميلادية. و يجب على من يعثر على الأثر أن يخبر به الوزارة المختصة بشؤون الآثار خلال 48 ساعه على الأكثر من تاريخ عثوره عليها و إذا أرادت الإدارة المختصة الإحتفاظ بالأثر تعين عليها أن تدفع مكافأة نقدية مناسبة لمن عثر عليه؛ و يمكنها أن تتركه في يد من وجده و حينئذ لا تدفع له شيئا.
ثانيا: الإلتصاق
§        تعريف الإلتصاق و شروطه:
الإلتصاق بإعتباره سبب لكسب الملكية هو واقعة مادية تنتج من إندماج شيئين ماديين يتميز كل منهما عن الآخر و مملوكين لشخصين بحيث يتعذر مع هذا كله الفصل بين الشيئين دون تلف.
يتضح أنه لكي يوجد الإلتصاق يجب أن تتوافر 4 شروط:
1.     إندماج شيئين إندماجا ماديا بحيث يتعذر معه فصل أحدهما عن الآخر دون أن يترتب على ذلك تلف أو ضرر مثل قيام شخص بالبناء على أرض الغير. و على ذلك فإن وضع شئ في شئ آخر دون إندماج بينهما لا يتحقق معه الإلتصاق مثل إقامة الأكشاك الخشبية أو المباني المؤقتة دون تثبيت في الأرض بحيث يمكن نقلها دون تلف، و ينطبق ذلك أيضا على الكنز الذي يدفن في باطن الأرض لأنه لا يندمج فيها و يمكن فصله دون تلف.
2.     تميز الشيئين الملتصقين كل منهما عن الآخر بأن يكون لكل منهما كيان متميز عن الآخر و بالتالي إذا كان أحدهما ناتجا عن الشئ الآخر مثل الثمار أو الحاصلات الزراعية و ليس متميز عنه فلا يتحقق الإلتصاق.
3.     أن يكون هاذان الشيئان مملوكين لشخصين مختلفين قبل الإندماج. فإذا كانا مملوكين لشخص واحد فإن إندماجهما لن يؤثر في ملكيتهما التي تظل كما كانت من قبل ثابتة لنفس المالك.
4.     أن يترتب على الإندماج وجود كيان جديد متميز عن الشيئين المندمجين. و بالتالي لا يتحقق الإلتصاق من مجرد التحسينات التي تجري على الشئ و منها أعمال الحفظ و الصيانة و الترميم مثل تقوية الأساسات و طلاء الجدران حتى لو ترتب عليها إضافة للشئ الذي أجريت عليه هذه الأعمال طالما لم يترتب عليها وجود شئ متميز عن الشئ الأول.
§        أثر الإلتصاق:
يترتب على الإلتصاق أن يصبح مالك الشئ الأصلي مالكا للشئ الفرعي الذي إلتصق به، و تعتبر الأرض هي الشئ الأصلي بالنسبة لما يلتصق من مبان أو غراس أو منشآت أخرى. و المباني تعتبر الشئ الأصلي بالنسبة للتوصيلات الكهربائية و الصحية التي تندمج بها إندماج يتعذر معه فصلها عنها دون تلف. غير أنه إذا وجد إتفاق بين مالكي الشيئين على تحديد من يتملك الشئ الجديد الذي نتج من إندماج الشيئين الملتصقين فإن هذا الإتفاق هو الذي ينطبق من حكم القانون لأنه ليس حكم آمر.
و تكتسب الملكية فور تحقق الإلتصاق بمعنى أن مالك الشئ الأصلي يصبح مالك للشئ الملتصق به بمجرد الإلتصاق لا بعد ذلك و هي ملكية جديدة و ليس إمتداد لملكية سابقة لأن الشئ الملتصق لم يكن مملوك لمالك الشئ الأصلي من قبل.
 و يعتبر الإلتصاق قرينة على ملكية صاحب الشئ الأصلي للشئ الملتصق طبقا للمادة (880) من القانون المدني التي تنص على أن "كل ما على الأرض أو تحتها من بناء أو منشآت أخرى أو غراس، يعتبر من عمل مالك الأرض أقامه على نفقته و يكون مملوكا له، مالم يقم الدليل على عكس ذلك". و معنى هذا النص أنه يكفي لمالك الأرض التمسك بهذه القرينة لإثبات ملكيته لكل ما إلتصق بأرضه سواء كان فوقها أو تحتها و لكن هذه القرينة ليست قاطعة و إنما بسيطة حيث يستطيع أي شخص أن يدعي عكسها و أن يقدم الدليل على صحة إدعائه كأن يثبت مثلا أن مالك الأرض أجاز له إقامة المباني أو المنشآت أو الغراس و تملكها نظير مقابل معين و للمحكمة السلطة التقديرية الكاملة في هذا الشأن.
§        حالات إستثنائية على قاعدة تملك صاحب الأصل للفرع الذي إندمج به:
لا ينطبق حكم الإلتصاق المذكور سابقا و هو ملكية صاحب الأصل للفرع الذي إندمج به في حالات معينة على سبيل الإستثناء لأن لها أحكام أخرى و هذه الحالات هي:
1.     إقامة المالك على الشيوع منشآت في الأرض الشائعة:
إذا أقام أحد الملاك على الشيوع مبان أو منشآت أخرى في الأرض الشائعة فلا ينطبق حكم الإلتصاق عليها و إنما حكم الإدارة غير المعتادة. فإن بقيت هذه المباني أو المنشآت حتى القسمة فإن الحكم يختلف بحسب ما إذا وقعت الأرض المقام عليها المباني أو المنشآت في نصيب الذي أقامها حيث لا توجد مشكلة و أما إذا وقعت الأرض في نصيب شريك آخر كان له الحق في إزالتها أو إستبقائها مقابل تعويض من أقامها وفقا لقواعد الإثراء بلا سبب.
 
 
 
2.     إقامة مبان أو منشآت على الأرض لحساب صاحبها من جانب شخص آخر:
إذا أقام شخص مبان أو منشآت على أرض الغير بإذن صاحبها فلا يجوز لهذا الأخير طلب إزالتها و تطبق عليه أحكام الوكالة، فإن لم يأذن بها جاز له طلب إزالتها أو إستبقائها مقابل تعويض من أقامها طبقا لقواعد الإثراء بلا سبب على أساس أن هذا الشخص فضولي.
3.     إقامة المستأجر منشآت أو غراس في العين المؤجرة:
إذا أقام المستأجر منشآت أو غراس في العين المؤجرة أثناء مدة الإيجار زادت في قيمتها، طبق عليها أحكام المادة (598) من القانون المدني و هي تقضي بأنه يجوز للمستأجر أن يترك هذه الأشياء عند نهاية مدة الإيجار دون مقابل أو إزالتها على نفقته بشرط أن لا يترتب على الإزالة ضرر بالعين المؤجرة، فإن لم يزلها المستأجر كان للمؤجر أن يطلب إزالتها أو أن يستبقيها مقابل قيمتها مستحقة الإزالة أنقاضا. كما يستحق المؤجر تعويضا عما تسببه الإزالة من ضرر إذا كانت المنشآت أو المباني أو الغراس قد أقيمت في أرضه دون إذنه، و كل هذا مالم يوجد إتفاق مخالف بين الطرفين.
4.     إقامة المشتري منشآت أو مبان في العين المشفوع فيها:
إذا أقام المشتري مبان أو منشآت في العين المشفوع فيها تطبق عليه أحكام المادة (901) من القانون المدني، و طبقا لها تجب التفرقة بين فرضين: الأول: أن تكون المنشآت قد تمت إقامتها قبل أن يعرب الشفيع رغبته في الأخذ بالشفعة، في هذا الفرض يلزم الشفيع بأن يرد للمشتري و بحسب إختياره ما أنفقه في إقامتها أو مازاد في قيمة الشئ المشفوع فيه بسببها. الثاني: أن تكون المباني و المنشآت قد تمت إقامتها بعد إعلان الشفيع رغبته في الأخذ بالشفعة، في هذا الفرض يكون للشفيع الإختيار بين طلب إزالتها أو الإبقاء عليها مقابل دفع إحدى القيمتين المشار إليهما أعلاه و هما قيمة ما أنفقه المشتري في إقامة المنشآت أو قيمة مازاد في المال المشفوع فيه بسبب هذه المنشآت.  
 
صور الإلتصاق و أحكامه
توجد صورتان للإلتصاق؛ الأولى: هي الإلتصاق بالعقار و الثانية: هي الإلتصاق بالمنقول؛ و ندرسهما على التوالي:
أولا: الإلتصاق بالعقار:
يتحقق الإلتصاق بالعقار عندما تقام عليه مباني أو منشآت أخرى أو غراس بمواد غير مملوكة لمالك هذا العقار بحيث يتعذر الفصل بينهما دون تلف كبير. و قد يتم ذلك بمعرفة مالك العقار أو بمعرفة مالك المواد أو بفعل الغير و نبين هذه الفروض و حكم كل منهما كما يلي:
§        الفرض الأول: المالك أقام المباني أو المنشآت أو الغراس على أرضه بمواد مملوكة للغير:
في هذا الفرض يقيم مالك الأرض الفضاء مبنى أو منشأة على أرضه بمواد مملوكة للغير كالأحجار و الحديد و الإسمنت و الأخشاب أو غيرها أو أن يقوم مالك الأرض الزراعية بإستخدام بذور أو شتلات مملوكة للغير في زراعة أرضه دون إتفاق مع صاحبها.
هذا الفرض نظمته المادة (881) من القانون المدني و هي تميز بين حالتين:
الحالة الأولى: أن يترتب على نزع المواد من الأرض ضرر جسيم بمالكها و مثل ذلك أن تكون المنشآت مباني ضخمة يترتب على نزع أساساتها إتلاف تربة الأرض و تكبيد مالكها نفقات ضخمة لإصلاحها حتى يمكنه البناء عليها، أو أن تكون المواد عبارة عن أسياخ حديد دخلت في تكوين الأسقف و الأعمدة الخراسانية الحاملة للبناء و يؤدي نزعها إلى إنهيار المبنى، أو أن تكون المغروسات قد نمت و ضربت جذورها في أعماق الأرض و يترتب على خلعها بوار الأرض إلى غير ذلك. في هذه الحالة يتملك مالك الأرض المواد من وقت إلتصاقها بأرضه و لا يجوز له و قد أصبحت المواد مملوكة له أن ينزعها و يردها إلى مالكها الأصلي من تلقاء نفسه بدون موافقة هذا الأخير كما لا يجوز لمالك هذه المواد أن يستردها إذا هدم البناء في وقت لاحق بدون موافقة مالك الأرض لأنها تكون مملوكة له بالإلتصاق و ينطبق نفس الحكم على الغراس كالأشجار و غيرها إذا نزعت من الأرض. و يلتزم مالك الأرض في هذه الحالة بأن يدفع لمالك المواد قيمتها وقت إلتصاقها بأرضه، لأنه هو الوقت الذي إنتقلت فيه ملكية المواد إلى مالك الأرض، كما يلتزم بتعويضه عما أصابه من ضرر بسبب عدم إسترداد المواد التي كانت مملوكة له من قبل كما لو إضطر إلى شراء مواد أخرى بديلة في وقت إرتفع فيه السعر عما كان عليه وقت إندماج مواده في أرض من تملكها بالإلتصاق.
و إلتزام مالك الأرض برد قيمة المواد إلى صاحبها مصدره القانون و لذلك فإنه يتقادم بمضي 15 سنة من وقت نشوء هذا الإلتزام طبقا للمادة (438) مدني. أما إلتزامه بدفع التعويض لمالك المواد فمصدره العمل غير المشروع و هو الخطأ في إستخدام مواد مملوكه لغيره بغض النظر عن سوء نيته أو حسنها و لذلك فإنه يتقادم بمضي 3 سنوات فقط وفقا للقواعد العامة في تقادم الإلتزامات التقصيرية طبقا للمادة (253) مدني.
الحالة الثانية: ألا يترتب على نزع المواد من الأرض ضرر جسيم بمالك الأرض و مثل ذلك أن تكون المواد أبوابا وضعها صاحب الأرض في البناء، أو أدوات صحية قام بتركيبها فيه، أو بلاط أو خشب (باركيه) غطى به المالك أرضية المبنى، أو أن تكون هذه المواد مغروسات في الأرض الزراعية ذات جذور سطحية إلى غير ذلك. في هذه الحالة يمكن لصاحب الأدوات إستردادها بشرط أن يبادر بإعلان رغبته في ذلك إلى مالك الأرض خلال سنة واحدة من اليوم الذي يعلم فيه بإندماجها في الأرض، فإذا رفض المالك ردها إليه وجب على صاحب الأدوات إقامة دعوى إستردادها ضده خلال مدة السنة أيضا و هي مدة سقوط لا تقبل الوقف أو الإنقطاع. و تكون نفقات نزع هذه المواد على مالك الأرض، كما يجب عليه أن يدفع تعويضا لصاحب المواد عما لحقه من ضرر بسبب إستخدام مواده و إعادة نزعها و من ذلك مثلا حرمانه منها في وقت كان بحاجة إليها لإجراء إنشاءات أو زراعات في ملكه أو أن يكون جزء من هذه المواد قد تلف أثناء عملية النزع. و لا عبرة في إلزام مالك الأرض بنفقات نزع المواد و التعويض بحسن أو سوء نيته، فهو يلتزم بها في الحالتين على السواء.
§        الفرض الثاني: شخص أقام مباني أو منشآت أو غراس بمواد مملوكة له على أرض الغير:
هذا الفرض نظمته المادة (882) و ما بعدها من القانون المدني و هي تفرق بين حالتين؛ الأولى: إقامة المباني أو المنشآت أو الغراس بسوء نية، و الثانية: إقامة هذه الأشياء بحسن نية و ندرس حكمهما على التوالي:
الحالة الأولى: إقامة المباني أو المنشآت أو الغراس بسوء نية: هذا الحالة تفترض أن الشخص يعلم أنه ليس له الحق في إقامة المباني أو المنشآت أو الغراس و هذا يتحقق بتوافر أمرين؛ الأول: أن يعلم أن الأرض مملوكة لغيره، و الثاني: أن يعلم بأنه ليس من حقه إقامة هذه الأشياء على تلك الأرض. و العبرة في حسن نية هذا الشخص أو سوءها بوقت إقامة المباني أو المنشآت أو الغراس لا قبل و لا بعد ذلك؛ و حسن النية مفترض و بالتالي فعلى من يدعي سوء نية من أقام هذه الأشياء على أرض الغير أن يثبت ما يدعيه و للقاضي سلطة تقديرية في هذا الشأن. و تتحقق هذه الحالة في الواقع العملي في عدد من الفروض منها حائز الأرض الذي يبني فيها سواءا كان حائزا بنية تملكها أو مجرد حائز عرضي كالمستأجر و منها أيضا المنتفع بالأرض الذي يقيم مباني أو منشآت عليها دون إذن صاحبها و كذلك المالك الذي زالت ملكيته للأرض التي بنى عليها بسبب بطلان عقده إذا كان يعلم سبب البطلان أو بسبب فسخ عقده إذا كان الفسخ يرجع إلى خطأه كما لو كان مشتريا تخلف عن دفع الثمن إلى غير ذلك.
و الحكم في هذه الحالة هو أنه يحق لمالك الأرض أن يطلب إزالة المباني أو المنشآت أو الغراس أو الإبقاء عليها بحسب إختياره المطلق. أما عن طلب الإزالة فيؤسس على أن إقامة هذه الأشياء على أرضه يعتبر إعتداءا عليها طالما تمت إقامتها بسوء نية على أنه يجب أن يعلن عن رغبته في الإزالة خلال سنة واحدة من الوقت الذي يعلم فيه بإقامتها على أرضه و إلا سقط حقه في إزالتها، و تتم الإزالة على نفقة مالك المواد لأنه أقام المباني بسوء نية. و إلى جانب حق المالك في الإزالة يجوز له أن يطالب مالك المواد بالتعويض عما أصابه من ضرر بسبب إقامة الأشياء المذكوره على أرضه و إزالتها كأن تكون إقامة المنشآت سببا في حرمانه من الإنتفاع بأرضه مدة معينة أو أن تكون خصوبتها للزراعة قد إنخفضت بسبب إقامة المنشآت عليها، و هذا التعويض أساسه المسئولية التقصيرية لمن قام بالبناء أو الغراس و يخضع لتقدير القاضي.
و أما عن طلب إستبقاء الأشياء المذكورة فمتروك لمحض تقدير المالك يجوز له إستعماله خلال سنة واحدة أيضا من الوقت الذي يعلم فيه بإقامتها على أرضه. و بالرغم من سوء نية من قام بالبناء أو الغراس و تعديه على ملكية صاحب الأرض إلا أن القانون لم يجعل لهذا الأخير الحق في أن يتملك المباني أو المنشآت أو الغراس بدون مقابل و لذلك إذا أراد مالك الأرض أن يستبقيها و يتملكها بالإلتصاق وجب عليه أن يدفع لمن أقامها إحدى قيمتين: الأولى- قيمة هذه الأشياء مستحقة الإزالة أي أنقاضا مخصوما منها مصاريف الإزالة؛ الثانية – مازاد بسببها في قيمة الأرض، و هو لن يختار بطبيعة الحال إلا أقل القيمتين. و حق الشخص الذي أقامها في المطالبة بأي من القيمتين المذكورتين لا يسقط إلا بمضي 15 سنة من تاريخ إعلان المالك عن رغبته في إستبقاء هذه الأشياء أو تملكها لأن أساس إلتزام المالك بالدفع في هذه الحالة هو القانون و ليس قواعد الإثراء بلا سبب. و يظل إلتزام مالك الأرض التي أقيمت عليها الأشياء المذكورة بدفع أي من القيمتين إلى من أقامها حتى لو إنتقلت ملكية الأرض بما عليها من مباني أو منشآت أو غراس إلى الغير، إلا إذا إلتزم هذا الأخير (الغير) بها عند إنتقال الملكية إليه. و يجوز لمالك الأرض أن يدفع القيمة التي يختارها على أقساط دورية بعد إستئذان المحكمة في ذلك، كما يجوز له أن يخصم قيمة الثمار التي حصلها من أقام المباني أو المنشآت أو الغراس سواءا منها أو من الأرض التي أقيمت عليها.
الحالة الثانية: إقامة المباني أو المنشآت أو الغراس على أرض الغير بحسن نية:
يعتبر من أقام هذه الأشياء حسن النية إذا كان يعتقد وقت إقامتها أن له الحق في ذلك سواءا لأنه إعتقد أن الأرض مملوكة له أو لأنه إعتقد أن صاحب الأرض خوله حق إقامة هذه الأشياء عليها مثل صاحب حق الإنتفاع بالأرض أو مستأجرها الذي يعتقد أن صاحب الأرض أجاز له البناء عليها. و يقدر حسن النية وقت القيام بالبناء أو الغراس دون نظر لما قد يحدث من تغيير في نيته بعد ذلك. و حسن النية مفترض في من أقام هذه الأشياء فإذا ادعى مالك الأرض أنه سئ النية و جب عليه أن يقيم الدليل على صحة إدعائه بكل الطرق و القاضي هو صاحب السلطة التقديرية في ذلك.
و قد نظمت المادة (883) حكم هذه الحالة و هو على النحو التالي:
1.     عدم جواز إزالة المباني أو المنشآت أو الغراس بناءا على طلب مالك الأرض و المعنى هو أن يتملكها وقت إلتصاقها بأرضه و عليه أن يدفع مقابل تملكها إحدى قيمتين: الأولى – قيمة المواد المستخدمة في إقامة هذه الأشياء و أجرة العمل؛ و الثانية – مقدار الزيادة في قيمة الأرض بسبب إقامة هذه الأشياء على أرضه و ذلك تطبيقا لقواعد الإثراء بلا سبب، و تحسب قيمة المباني أو المنشآت أو الغراس وقت إقامتها على الأرض و لا تتغير هذه القيمة بعد ذلك.
2.     جواز نزع المباني أو المنشآت أو الغراس بناءا على طلب من أقامها على أرض الغير بمعنى أنه يكون لهذا الشخص أن يطلب نزع مواده و إستردادها بشرط ألا يترتب على عملية النزع ضرر بالأرض، أيا كان مقدار هذا الضرر؛ و لا يتقيد إستعماله للحق في الإزالة بمدة معينة يسقط بعدها حيث لم يحدد القانون مدة معينة لإستعمال هذا الحق و إذا طالب هذا الشخص الإزالة فلا يستطيع صاحب الأرض التمسك بملكية المباني أو المنشآت أو الغراس، فحقه مقدم على حق صاحب الأرض.
3.     تملك الأرض لمن أقام المباني أو المنِشآت على سبيل الإستثناء: طبقا للقاعدة العامة في تملك صاحب الأرض المباني أو المنشآت التي أقامها الغير على أرضه أجاز القانون بنص المادة (883) فقرة 2 تمليك الأرض لصاحب المباني أو المنشآت في حالتين:
الأولى: المقابل المرهق لصاحب الأرض و هذا يعني أنه إذا كان الغير قد أقام منشآت على الأرض بحسن نية و بلغت قيمة هذه المباني أو المنشآت حدا من الجسامة لا يتحمله صاحب الأرض فإن هذا الشخص الأخير يمكنه أن يطلب من المحكمة تمليك أرضه لصاحب المنشآت أو المباني و للمحكمة السلطة التقديرية في ذلك من حيث إجبار صاحب المباني أو المنشآت على تملك الأرض، و أيضا تحديد المقابل العادل الذي يستحقه مالك الأرض التي يتملكها صاحب المباني أو المنشآت.
الثانية: التعدي اليسير على أرض الجار بحسن نية بمناسبة قيام مالك الأرض بالبناء على أرضه. هذه الحالة وردت في المادة (885) مدني و هي تفترض أن مالك الأرض و هو يقيم بناءا على أرضه قد مد هذا البناء إلى أرض الجار و أخذ منها جزءا يسيرا بحسن نية بسبب عدم وضوح الحدود بين الأملاك المتجاورة و إعتقد أن هذا الجزء يدخل في ملكه؛ حينئذ يجوز للجار أن يطلب من المحكمة تمليك الجزء الذي تم البناء عليه لمن أقام هذا البناء و هو الجار، و يترك تحديد ما إذا كان التعدي على جزء يسير أم جسيم للمحكمة مراعية في ذلك الجزء المعتدى عليه منسوبا إلى مساحة الأرض الكلية و حجم المباني التي أقامها الجار على أرض جاره و هي غير ملزمة بأن تستجيب لطلب الجار بتمليك الجزء اليسير من أرضه لمن أقام البناء عليها بل هي تقدر ماتراه وفقا للضرر الذي يمكن أن يلحق الباني من جراء تملكه الجزء من أرض الجار المقام عليها البناء مقارنا بالضرر الذي يلحق مالك الأرض بسبب إجباره على النزول عن ملكية جزء من أرضه و للمحكمة في النهاية أن تحكم بتمليك الباني هذا الجزء من الأرض التي بنى عليها و لو جبرا عنه و يتم تمليك هذا الجزء نظير مقابل عادل تقدره المحكمة و لا يتم تمليك الأرض لمن أقام البناء إلا بعد سداد هذا المقابل.
الحالة الثالثة: شخص أحدث بناءا أو منشآت أخرى أو غراسا على أرض الغير بمواد مملوكة لشخص ثالث:
في هذا الفرض الشخص الذي أقام البناء أو المنشآت أو الغراس لا يملك الأرض و لا المواد التي أقام بها هذه الأشياء. و توجد فيه 3 علاقات:
1.     علاقة مالك الأرض بمن قام بالبناء أو الغراس عليها.
2.     علاقة صاحب المواد بمن أخذها و أقام بها البناء أو الغراس.
3.     علاقة صاحب المواد بمالك الأرض.
أما العلاقة الأولى فتخضع لأحكام الفرض الثاني السابق ذكره بحسب ما إذا كان الشخص الذي أقام البناء أو الغراس سئ النية أو حسن النية كما سبق أن أوضحناه. و أما العلاقتين الأخريين فقد نظمتهما المادة (886) مدني و طبقا لهذه المادة نبين حكم كل من العلاقتين على التوالي:
ثانيا: علاقة صاحب المواد بمن أخذها و أقام بها المباني أو المنشآت أو الغراس:
يختلف حكم هذه العلاقة بحسب ما إذا كانت المواد قد نزعت من الأرض أو بقيت فيها و تملكها صاحب الأرض، فإن كانت قد نزعت من الأرض إما لأن من أقام البناء أو الغراس كان سئ النية و تمسك صاحب الأرض بخيار الإزالة، أو كان حسن النية و طلب إزالة البناء أو الغراس و لم يكن من شأن الإزالة أن تلحق ضررا بالأرض، حينئذ يكون لصاحب المواد أن يستردها فضلا عن حقه في المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر بسبب إستخدام الغير لهذه المواد، و الذي يمكن أن يتمثل في حرمانه منها مدة بقائها في الأرض أو تلفها بسبب إستخدامها و إعادة نزعها و من ثم حاجتها لإعادة الترميم أو الإصلاح.
و أما إن بقيت المواد في الأرض و تملكها صاحب الأرض بالإلتصاق فلا مجال لإستردادها من جانب صاحبها و لا يكون أمامه سوى مطالبة الشخص الذي إستخدمها بقيمتها فضلا عن التعويض عن الضرر الذي أصابه بسبب فقدها.
ثالثا: علاقة صاحب المواد بمالك الأرض:
يكون لصاحب المواد حقان في مواجهة مالك الأرض، الأول – حق المطالبة بنزع المواد من الأرض و هذا الحق يتطلب شرطان لإستخدامه هما: (1) أن يكون من إستخدم المواد حسن النية. (2) ألا يكون من شأن نزع المواد إلحاق ضرر بالأرض. و قد منحته المادة (886) الرجوع على مالك الأرض بدعوى مباشرة أي بإسمه شخصيا إلى جانب الدعوى غير المباشرة بإسم الشخص الذي أقام الأشياء المذكورة في الأرض بمواده طبقا للقواعد العامة.
 الثاني – حق مطالبة مالك الأرض بقيمة المواد المستخدمة في إقامة البناء أو المنشآت الأخرى أو الغراس على أرضه، و هذا الحق يوجد عندما يتملك صاحب الأرض المواد إما لأن من أقام المستحدثات المذكورة كان سئ النية أو لأن نزع المواد سيلحق ضررا بالأرض أو لأن صاحب المواد لم يرغب في نزعها من الأرض بالرغم من حسن نية من أقام هذه الأشياء. و يمكنه أيضا الرجوع على مالك الأرض بدعوى مباشرة بإسمه شخصيا طبقا للمادة (886) للمطالبة بقيمة المواد أو بالدعوى غير المباشرة بإسم من أقام هذه الأشياء طبقا للقواعد العامة.
و لكن يلاحظ أن رجوعه على مالك الأرض يكون فقط في حدود مابقي في ذمته من تعويض مستحق لمن أقام المنشآت نظير تملكه لما إستحدث على أرضه. و حفاظا على حقه يجب عليه أن ينذر مالك الأرض بأن يدفع له ما هو مستحق لمن أقام المستحدثات و حينئذ يجب على المالك ألا يدفع قيمة المواد أو مابقي منها لهذا الأخير و إلا كان مسئولا عن دفعهما له مرة ثانية. [1]
ثانيا الإلتصاق بالمنقول:
يتحقق الإلتصاق بالمنقول عندما يتحد منقولان مملوكان لشخصين مختلفين بحيث يتعذر الفصل بينهما دون تلف، مثل إمتزاج سائلين معا كالحليب و العسل أو خلط الدقيق بالسكر وتحويلهما إلى حلوى.
§        حكم الإلتصاق بالمنقول:
يتعذر في هذه الحاله تطبيق قواعد الإلتصاق بالعقار و ذلك لتعذر معرفة الأصل و الفرع في المنقولين الممتزجين و لهذا وضع لها المشرع حكما خاصا في المادة (887) التي تنص على أنه "إذا إلتصقت منقولات لملاك مختلفين بحيث لا يمكن فصلها دون تلف و لم يكن هناك إتفاق بين المالكين قضت المحكمة في الأمر مراعية في ذلك الضرر الذي حدث و حالة الأطراف و حسن أو سوء نية كل منهم". مفهوم هذا النص أن الأصل في تنظيم إلتصاق المنقولين أو أكثر هو إتفاق الأطراف بشأن ملكية هذه المنقولات بعد إلتصاقها. فإن لم يوجد إتفاق في هذا الشأن فإن القاضي يملك السلطة التقديرية الكاملة في تطبيق الحل الذي يراه أكثر تحقيقا للعدالة، فقد يحكم بتمليك المنقولين الملتصقين لأحد المالكين مع إلزامه بتعويض المالك الآخر؛ و قد يحكم بقسمة المنقولين المندمجين قسمة عينية و توزيعها بين المالكين بنسبة قيمة المنقول الذي كان يملكه كل منهما قبل إلتصاقهما؛ و قد يحكم ببيع المنقولين المندمجين و قسمة ثمنهما بين المالكين بنسبة قيمة المنقول الذي كان يملكه كل منهما قبل الإندماج...إلخ. و القاضي حينما يختار حلا ما، يجب عليه أن يراعي الموجهات العامة التي أوردتها المادة (887) المذكورة أعلاه و هي:
1.    الضرر الذي يلحق بكل من المالكين، فالمالك الذي يلحقه الضرر الأكبر يكون أولى بإكتساب الملكية من الآخر.
2.    الحالة المالية لكن من المالكين و مدى قدرة أي منهما على دفع قيمة الشئ الذي سيتملكه بعد الإندماج للمالك الآخر، فيكون الأقدر ماليا أحق بملكية هذا الشئ من غير القادر.
3.    حسن أو سوء نية المالكين، فيكون المالك حسن النية مفضلا على المالك سئ النية في إكتساب الملكية.
و في النهاية نقول أن هذه مجرد موجهات يسترشد بها القاضي لإستخلاص الحكم الذي يراه أكثر تحقيقا للعدالة و له السلطة التقديرية الكاملة في هذا الشأن.
 
ثالثا: الحيازة:
§        تعريف الحيازة:
ورد تعريف الحيازة في المادة (905) من القانون المدني التي تنص على أن "الحيازة هي سيطرة شخص بنفسه أو بواسطة غيره على شئ مادي ظاهرا عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عيني آخر بأن يباشر عليه الأعمال التي يباشرها عادة صاحب الحق". من هذه المادة يتبين أن جوهر الحيازة هو السيطرة الفعلية على الشئ سواءا كانت مستندة إلى حق أم لا. و هي تكون مستندة على حق حينما يكون الحائز هو مالك الشئ أو صاحب حق عيني آخر عليه كالمنتفع أو المرتهن، و إذا لم تكن مستندة إلى حق على الشئ مثل السارق أو الناصب فإنه يعد حائزا أيضا إذا توافرت لديه أركان الحيازة على الرغم من أنه ليس صاحب حق على الشئ الذي يسيطر عليه.
§        حكمة حماية الحق:
يحمي القانون الحيازة في ذاتها كسبب لكسب ملكية الشئ أو أي حق عيني عليه بغض النظر عن كونها تستند إلى حق أم لا، فمالحكمة من هذه الحماية؟
يرجع ذلك لعدة إعتبارات تتمثل فيما يلي:
1.     أنها في الغالب تكون مستندة إلى حق فيكون الحائز هو نفسه صاحب الحق على الشئ الذي يحوزه و من ثم تكون حماية الحيازة هي حماية للحق نفسه. و طبقا للمادة (923) مدني فإن الحيازة تعتبر قرينة على الحق إلى أن يثبت العكس.
2.     إذا لم تكن الحيازة مستندة إلى حق فكيف يوفر القانون لها الحماية؟ هل يعني ذلك أنه يشرع السرقة أو الغصب مدخلا لكسب الحقوق؟ يوجد سببان لحماية الحيازة في هذه الحالة و هما:
الأول: حماية الأوضاع الظاهرة التي إستقرت فترة من الزمن حفاظا على الأمن و النظام في المجتمع فالحائز يظهرأمام الناس في سيطرته على الشئ بأنه صاحب حق عليه و من ثم لا يجوز اللجوء إلى العنف لإسترداد الحيازة منه و إلا عمت الفوضى و الإضطراب في المجتمع، و لكن هذه الحماية وقتية إلى أن يثبت المالك الحقيقي للشئ الذي يسيطر عليه الغير ملكيته له عن طريق دعوى الإستحقاق حينئذ فقط يتعين على الحائز أن يرد له هذا الشئ.
الثاني: المصلحة الإقتصادية للمجتمع تستوجب حسن إستعمال الأشياء و إستغلالها و المالك الذي يترك ملكه بين يدي حائز و لا يستعمله أو ينتفع به هو مالك مهمل و يضر بإهماله ليس فقط نفسه و إنما المجتمع كله، أما الحائز النشيط الذي يحسن إستعمال الشئ الموجود تحت يده فإن المجتمع يستفيد من فعله و يستحق بالتالي حمايته.
§        محل الحيازة:
1.     لا ترد الحيازة إلا على الأشياء المادية عقارية كانت أم منقولة لأنها هي التي تقبل السيطرة و التسلط عليها أما الأشياء المعنوية كالأفكار و الإختراعات و غيرها من نتاج فكر الإنسان فلا تكون محلا للحيازة لأنها لا تقبل التسلط عليها و يدخل في ذلك مجموعات الأموال كالتركة و المحل التجاري حيث تعتبر قانونا من الأشياء المعنوية و لو إشتملت على عناصر مادية إذ ينظر إليها ككل مستقل عن العناصر الداخلة فيها.
2.     يجب أن تكون هذه الأشياء المادية داخلة في دائرة التعامل أي تصلح محلا للحقوق المالية و بالتالي فإن الحيازة لا ترد على الأموال العامة المملوكة للدولة لأن تخصيصها للمنفعة العامة يتعارض مع إمكانية حيازتها بواسطة الغير و مثل ذلك أيضا أموال الدولة الخاصة غير المخصصة للمنفعة العامة و أموال الوقف طبقا للمادة (906) مدني.
3.     لا ترد الحيازة إلا على الحقوق العينية دون الحقوق الشخصية و على ذلك فإن من يباشر سيطرة مادية على الشئ بمقتضى حق شخصي كالمستأجر لا يعتبر حائزا حقيقيا لأنه لا يحوز الشئ المستأجر لحساب نفسه و لكنه يحوزه لحساب مالكه و يعتبر حائزا عرضيا فقط و من ثم لا يستطيع المستأجر أن يستند إلى الحيازة لإكتساب ملكية الشئ الذي يستأجره و يسوي النزاع بينه و بين المؤجر على أساس عقد الإيجار المبرم بينهما على أساس الحيازة. و يلاحظ أن حماية السند لحامله هي حيازة شئ مادي و هو الصك المثبت للدين و تكون الحيازة قرينة على ملكية الحائز للصك، و هذه الملكية تعتبر قرينة على أن الحائزهو صاحب الحق الشخصي المثبت في السند لحامله.
4.     لا ترد الحيازة فقط على الحقوق العينية الأصلية بل ترد أيضا على الحقوق العينية التبعية و بالتالي إذا ورد الرهن على عقار غير مملوك للراهن فإن الدائن المرتهن يكسب حق الرهن عليه عن طريق الحيازة مدة طويلة طبقا للمادة (935) مدني؛ و إذا كان المال المنقول مملوكا لغير الراهن فإن الدائن المرتهن يكسب حق الرهن عليه عن طريق بمجرد حيازته إذا توافرت فيه حسن النية و كان لديه سبب صحيح لحيازته طبقا للمادة (937) فقرة 1 من القانون المدني. و لكن يلاحظ أن الحقوق العينية التبعية التي لا تستلزم حيازة الدائن للشئ محل الحق كالرهن الرسمي لا تصح حيازتها و كسبها بالحيازة.  
أركان الحيازة:
الحيازة الحقيقية أو القانونية، التي يترتب عليها كسب حق عيني على الشئ محل الحيازة، لها ركنان: ركن مادي و ركت معنوي و ندرسهما على التوالي:
أولا: الركن المادي:
هو السيطرة الفعلية على الشئ محل الحيازة؛ و تترجم هذه السيطرة من خلال الأعمال المادية التي يخولها الحق موضوع الحيازة، فإن كان هذا الحق حق ملكية وجب على الحائز أن يباشر على الشئ الأعمال المادية التي يباشرها المالك عادة على ملكه من إستعمال و إستغلال و تصرف مادي في هذا الشئ، و إن كان حقا عينيا آخر مثل حق الإنتفاع أو حق الإرتفاق وجب على الحائز أن يباشر الأعمال المادية التي يقوم بها عادة صاحب هذا الحق على الشئ. و يشترط في الأعمال التي يتكون منها الركن المادي للحيازة شرطين:
الشرط الأول: أن تكون أعمالا مادية مما يدخل في مضمون الحق محل الحيازة لأن هذه الأعمال هي التي تظهر الشخص بمظهر المسيطر على الشئ و بالتالي فإن التصرفات القانونية وحدها كبيع الشئ مثلا أو هبته لا تكفي لتكوين الركن المادي في الحيازة لأنه يمكن أن يباشرها غير الحائز للشئ فلا تدل بذاتها على سيطرة أو تسلط من يقوم بها على هذا الشئ. و الأعمال المادية تختلف بإختلاف الشئ الذي ترد عليه، فحيازة المنزل تكون بسكناه و حيازة السيارة تكون بركوبها و حيازة الأرض الزراعية تكون بزراعتها...إلخ.
الشرط الثاني: أن تكون هذه الأعمال المادية من الكثرة و الأهمية بحيث تكفي لظهور الحائز بمظهر صاحب الحق الذي يحوزه، و لكن هذا لا يعني القيام بهذه الأعمال بصفة مستمرة فيكفي أن يباشرها الحائز في أوقات متفرقة إذا كان الإنتفاع بالشئ بحسب طبيعته إنما يكون على فترات متباعدة و مثل ذلك أرض المراعي و الشاليهات المعدة على شواطئ البحر للإصطياف وكذلك أكشاك الإستحمام في المصايف، و على هذا فإنه لا يكفي لمن يدعي حيازة منزل معد للسكنى أن يسكنه فترة وجيزة للقول بتوافر الركن المادي للحيازة لديه، و لا يكفي لمن يدعي حيازة أرض زراعية أن يحرثها مرة واحدة و لكن يكفي لحيازة أرض الراعي الرعي فيها في موسم الرعي فقط، و يكفي أيضا إستخدام أكشاك الإستحمام في فترة المصيف فقط دون بقية أوقات السنة لقيام العنصر المادي للحيازة ... إلخ، فالعبرة دائما بالإستعمال المألوف للشئ بحسب طبيعته.
 و لكن هل يلزم أن يكون الشئ محل الحيازة تحت يد الحائز نفسه؟ الأمر يختلف بحسب مضمون الحق محل الحيازة، فإن كانت مباشرة السلطات التي يخولها هذا الحق تقتضي أن يكون الشئ تحت يد صاحب هذا الحق، كان وجود الشئ تحت يده أمرا لا بد منه لقيام الركن المادي للحيازة و هذا هو شأن معظم الحقوق العينية الأصلية كالملكية و الإنتفاع و الإستعمال و السكنى، وكذلك الرهن الحيازي من الحقوق العينية التبعية. و أما إذا كانت مباشرة السلطات التي يخولها الحق لا تقتضي أن يكون الشئ تحت يد صاحبه فإن حيازة هذا الشئ تكون غير ضرورية و مثل ذلك حق الإرتفاق بالمرور على أرض الجار حيث لا يقتضي حق الإرتفاق أن يكون العقار المرتفق به تحت يد صاجب حق الإرتفاق و يكفي أن يقوم بالأعمال المادية التي يخولها هذا الحق و هي هنا المرور على أرض الجار مع بقائها في حيازة صاحبها. و تقدير توافر شروط الركن المادي في الحيازة من عدمها متروك لتقدير قاضي الموضوع دون رقابة عليه من محكمة التمييز متى أقام قضائه على أسباب سائغة، أي تؤدي إلى النتيجة التي إنتهت إليها المحكمة.
§        عدم قيام الركن المادي للحيازة إذا كان العمل الذي يأتيه الشخص من المباحات (يبيحه القانون):
و المعنى هو أن الركن المادي للحيازة لا يتوافر إلا إذا كان موصوفا بالتعدي على ملك الغير كسكن منزل الغير أو المرور في أرضه دون وجه حق حتى يمكن للحائز التمسك بالحيازة كسبب لإكتساب ملكية الأرض أو المنزل، و بالتالي فإن من يقوم بعمل يبيحه القانون و لا يتوافر فيه وصف التعدي على ملك الغير لا يمكن أن يتوافر به الركن المادي للحيازة و مثل ذلك من يفتح منورا (نافذة) على أرض جاره الفضاء مراعيا المسافة التي يتطلبها القانون في ذلك لا يعتبر عمل هذا تعديا على أرض الجار و من ثم لا يمكنه الإدعاء بأن له إرتفاقا بالمطل على هذه الأرض و أنه سيكتسبه بالحيازة إذا دامت خمسة عشرة سنة مما يؤهله من منع جاره من البناء على حافة ملكه إحتراما لهذا الإرتفاق.
 
§        الحيازة بواسطة الغير:
الأصل أن يباشر الحائز نفسه الأعمال المادية المكونة للركن المادي للحيازة و لكن لا مانع أن يباشرها الغير لحساب الحائز و يكون الغير في هذه الحالة مجرد حائز عرضي يعمل لحساب الحائز الحقيقي و يسمى أيضا محرز الشئ و مثل ذلك حيازة الخادم لأشياء مملوكة لصاحب المنزل، و حيازة مدير الأعمال لأشياء يملكها صاحب العمل، و أيضا المستأجر و المستعير و الوكيل لحساب المؤجر أو المعير أو الموكل، فكل هؤلاء ليسوا حائزين حقيقيين للأشياء الموجودة في حيازتهم لأنهم يضعون أيديهم عليها لحساب أشخاص آخرين؛ و تطبيقا لذلك يعد مالك السيارة حائزا حقيقيا لها و لو كان يعهد بقيادتها لسائق و كذلك يعد صاحب العمل حائزا لأدوات العمل و مواده التي يستخدمها العامل و كذلك المودع يعتبر حائزا للشئ المودع تحت يد المودع لديه، فكل هؤلاء يضعون أيديهم على الأشياء الموجودة لديهم لحساب من مكنهم منها.
§        إثبات الركن المادي:
الركن المادي للحيازة لا يفترض بل يتعين إقامة الدليل عليه بمعنى أن من يدعي حيازة شئ حيازة حقيقية و يتمسك بأثارها القانونية يجب عليه أن يقيم الدليل على مباشرته الأعمال المادية المكونة للركن المادي للحيازة، و له أن يستخدم كافة الوسائل القانونية في إثبات قيامه بهذه الأعمال لأنها أعمال مادية يجوز إثباتها بكافة الطرق كالشهود و تقرير الخبير و غير ذلك و فقا لقواعد الإثبات، و لقاضي الموضوع سلطة تقديرية كاملة في هذا الشأن من خلال ما يعرض عليه خلا نظره القضية دون رقابة من محكمة التمييز طالما أقام قضائه على أسباب سائغة لها أصلها في الأوراق.
 
 
ثانيا: الركن المعنوي:
يقصد به، نية الحائز في الظهور على الشئ الذي بين يديه مظهر المالك أو صاحب الحق العيني عليه و أن تكون ممارسته للأعمال المادية على هذا الشئ لحسابه الخاص و ليس لحساب الغير، فإذا كان هذا الشخص يحوز الشئ بوصفه مالكا تعين أن تتوافر لديه نية مباشرة سلطات المالك عليه من إستعمال و إستغلال و تصرف و الأمر كذلك في الحقوق العينية الأخرى. و إذا توافرت النية بالنسبة لحيازة شئ فإنها تمتد اتشمل محتوياته و لو كان لا يعرفها على وجه التحديد و بالتالي فإن من يحوز مكتبه بنية تملكها تمتد حيازته إلى كل مايوجد بها من كتب و لو لم تكن كلها معلومة له، و من يحوز صندوق به رسائل أو خطابات يكون حائزا لكل مابه من رسائل أو خطابات و لو لم تكن معلومة له. و لا يشترط أن تكون هذه النية مشروعة أي مستندة على حق بل تقوم الحيازة بتوافر هذه النية و لو كان الحائز يعلم أنه لا حق له في الحيازة مثل السارق الذي تتوافر لديه نية تملك المسروقات حيث يعتبر حائزا حقيقيا لها و إن كانت حيازته غير مشروعة. و هذا الركن المعنوي له دور هام في تحديد نوع الحق محل الحيازة إذا كانت الأعمال المادية التي يقوم بها الحائز تدخل في مضمون أكثر من حق، فمثلا حراثة الأرض يمكن أن يقوم بها مالك الأرض و صاحب حق الإنتفاع عليها و بالتالي يجب الرجوع إلى من يحرثها لمعرفة صفته في القيام بهذا العمل، هل بصفة مالك للأرض أو بصفته صاحب حق إنتفاع عليها، و النية هي التي تحدد ذلك؛ و إستخلاص هذه النية يعتبر من وسائل الواقع التي يستقل قاضي الموضوع بتقديرها من خلال الظروف التي تعرض عليه دون رقابة من محكمة التمييز.
و الركن المعنوي يجب أن يتوافر لدى الحائز شخصيا و لا يكفي أن يتوافر لدى من ينوب عنه في الحيازة و بالتالي لو أن خادما حاز عقارا مملوكا لغير مخدومه و باشر عليه الأعمال المادية للحيازة بإسم مخدومه و لكن دون علمه فإن المخدوم لا يكتسب أي حق على هذا العقار لإنتفاء الركن المعنوي لديه بإستثناء عديم الأهلية و ناقصها الذي يمكنه أن يكسب الحيازة عن طريق نائبه القانوني طبقا للمادة (909) مدني. و لا يتوافر الركن المعنوي إذا كانت الأعمال التي يقوم بها الحائز قد تمت بترخيص من مالك الشئ و تسامحه بمعنى أن التسامح لا ينشأ حقا للحائز و إنما يتضمن الإقرار بحق الغير المتسامح مع الحائز، و مثله من يمر على أرض الجار تسامحا منه فإنه لا يكسب حق إرتفاق بالمرور على هذه الأرض و يمكن للجار أن يرجع في أي وقت عن تسامحه و يمنعه من المرور على أرضه. و تقدير ما إذا كان الشخص قد ترك الغير يستعمل ملكه على سبيل التسامح هو من مسائل الواقع التي تترك لقاضي الموضوع يستخلصها من ظروف الدعوى مثل وجود علاقة قرابة أو صداقة بين الطرفين، أو عدم وجود ضرر في مايقوم به الغير من عمل على الأرض.
الحيازة العرضية:
هي الحيازة التي تقوم على الركن المادي فقط دون الركن المعنوي بمعنى أنه توجد فيها السيطرة الفعلية من الحائز على الشئ و لكن دون قصد الظهور عليه بمظهر صاحب الحق و تتميز هذه الحيازة بوجود سند يخول الحائز العرضي القيام بالأعمال المادية على الشئ و يدل في نفس الوقت على حق الغير على هذا الشئ  مثل حيازة المستأجر و المستعير و الخادم و النائب أو الوكيل و الدائن المرتهن رهن حيازة و الحارس القضائي و الوصي أو الولي بحكم القانون، فكل من هؤلاء يعتبر حائزا عرضيا لحساب الحائز الحقيققي صاحب الحق على الشئ الموجود تحت يد أي منهم و هي حيازة مشروعة لكونها تستند إلى سند قانوني و هي حيازة مؤقته بطبيعتها و لا ترتب الآثار القانونية للحيازة الحقيقية من حيث دلالتها على الحق أو كسب الحق على الشئ الموجود تحت يد الحائز أو الإحتفاظ بثماره و لا تحمى بدعاوى الحيازة فيما عدا دعوى إسترداد الحيازة لدفع الإعتداء عن الحائز فيستطيع إسترداد هذه الحيازة العرضية إذا نزعت منه طبقا للمادة (924) فقرة 2 من القانون المدني. و هذه الحيازة لا تعطي صاحبها سلطة التصرف في الشئ مطلقا و لكنها قد تعطيه سلطة إستعماله فقط مثل المستأجر و قد تعطيه سلطتي الإستعمال و الإستغلال مثل المنتفع. و تظل الحيازة العرضية مؤقتة مهما طال الزمن إلا إذا تحولت إلى حيازة قانونية، لأن سند هذه الحيازة يقر بحق الغير على الشئ و أنه الحائز الحقيقي.
تحول الحيازة العرضية إلى حيازة حقيقية (قانونية):
تتحول الحيازة العرضية إلى حيازة حقيقية أو قانونية إذا توافر فيها الركن المعنوي لدى الحائز مثل المستأجر الذي تتغير نيته إلى مالك للشيء الذي يستأجره ، و يتم ذلك بفعل خارجي يصدر منه يعارض به حق المالك أو الحائز الحقيقي للشيء الذي يستأجره طبقا للمادة (910) مدني. و يجب أن تتوافر في الفعل الخارجي للحائز العرضي شرطان حتى يترتب عليه تحول الحيازة العرضية إلى حيازة حقيقية و هي:
1.     أن يكون واضح الدلالة بذاته على تغيير الحائز العرضي نيته بإنكار حق الغير على الشيء، و قاضي الموضوع هو الذي يقدر ذلك بمعيار موضوعي و ليس شخصي فلا يكفي مثلا مجرد امتناع المستأجر عن دفع الأجرة أو امتناعه عن رد العين المؤجرة إلى المؤجر عند انتهاء الإيجار أو حتى البناء عليها أو ترتيب حق ارتفاق للغير عليها طالما لم يكن ذلك مقرونا بادعاء المستأجر ملكية هذه العين و إنكار ذلك على صاحبها الأصلي.
2.     أن يصدر هذا الفعل الخارجي في مواجهة المالك الحقيقي الذي كان يحوز باسمه سواء في صورة دعوى قضائية ينكر فيها حقه على العين المستأجرة أو عن طريق إنذار رسمي يوجهه إليه مضمونه أنه المالك الحقيقي للشيء الذي في حيازته و بالتالي لا يكفي مثلا أن ينتهز المستأجر غيبة المؤجر خارج البلاد ليعلن على الجمهور أنه يعتبر نفسه مالكا للعين التي يستأجرها لأن عمله لم يكن مجابهة للمالك و بالتالي لا يصلح لتغيير صفة حيازته من حيازة عرضية إلى حيازة حقيقية، فضلا عن ذلك فإنه يجب على هذا المستأجر بعد ظهور هذا الفعل منه في مواجهة المالك أن يتوقف عن الظهور بمظهر الحائز لحساب المالك و أن يظهر بمظهر الحائز لحساب نفسه فلا يجوز للمستأجر مثلا بعد أن يظهر بفعله أنه مالك للشيء الاستمرار في دفع الأجرة للمؤجر لأن دفعه الأجرة بعد ذلك يعتبر إقرارا منه بملكية المؤجر للشيء الذي يدعي هو ملكيته.
و كما يجوز تغير صفة الحيازة بفعل الحائز العرضي فإنه يجوز أن تتغير بفعل الغير و ذلك بأن يصدر للحائز سندا من شأنه أن ينقل الملكية إلى هذا الأخير لو كان صادرا فعلا من مالك الشيء و مثال ذلك أن يكون المؤجر غير مالك للعين المؤجرة و يشتري منه المستأجر تلك العين بحسن نية بمعنى أنه لم يكن يعلم بعد ملكية هذا الشخص للشيء الموجود في حيازته، و ينطبق نفس الحكم إذا إشترى الحائز العرضي الشيء من شخص يظهر بمظهر الوارث لهذا الشيء على غير الحقيقة حينئذ تتحول حيازته من حيازة عرضية لحساب الغير إلى حيازة حقيقية لحساب نفسه و في كل هذه الأحوال يجب أن يكون الحائز العرضي حسن النية أي يعتقد أن من إشترى منه الشيء يحق له ذلك، فإن كان يعلم بعدم أحقيته فلا تتغير صفة حيازته من حيازة عرضية إلى حيازة حقيقية لأن هذا يعني أنه غير صفة حيازته بنفسه و إن أشرك معه غيره في فعله و هو ما يناقض القاعدة التي تقول (لا يجوز لمن يحوز بإسم غيره أن يغير بنفسه لنفسه صفة حيازته) و يفتح الباب على مصراعيه لكل حائز عرضي لتحويل حيازته العرضية إلى حيازة قانونية بالتواطئ مع الغير.
و لا تبدأ الحيازة بصفتها الجديدة إلا من الوقت الذي حدث فيه التغيير طبقا للمادة (910) مدني. و أيا كانت الطريقة التي يتم بها تغير صفة الحيازة من عرضية إلى حقيقية فإن هذا التغيير لا يفترض و يجب على من يدعي حصوله إثباته تطبيقا للمادة (916) مدني التي تنص على أنه "تبقى الحيازة محتفظة بالصفة التي بدأت بها وقت كسبها إلى أن يثبت العكس".
 
إثبات الركن المعنوي:
يثبت الركن المعنوي لدى الحائز إذا ما تم إثبات توافر الركن المادي لديه حيث يفترض أنه يحوز الشيء لحساب نفسه و ليس لحساب غيره مالم يثبت عكس ذلك تطبيقا للمادة (913) مدني التي تنص على أنه: “إذا تنازع أشخاص متعددون على الحيازة أقترض أن من يباشر السيطرة المادية هو الحائز إلى أن يثبت العكس...". و إذا انتقل شيء من حيازة شخص إلى حيازة شخص آخر أفترض أن الثاني يحوز لحساب الأول و ليس لحسابه الشخصي تطبيقا لما جاء بنهاية المادة (913) التي تقول أنه يفترض أن الحيازة تباشر "لحساب من إنتقلت منه" إلى أن يثبت العكس و بالتالي إذا عجز الحائز السابق عن إثبات أن الحائز الثاني عرضي فيكفيه إثبات أن الشيء كان في حيازته و سلمه إلى حائزه الحالي، فإذا نجح في هذا الإثبات افترض أن الحائز الثاني عرضي لحساب الحائز السابق، فإذا إدعى الأخير أنه يحوزه لحسابه هو فعليه أن يقوم الدليل على ذلك. و قاضي الموضوع حر في إستخلاص الركن المعنوي من ظروف الدعوى المعروضة عليه دون رقابة من محكمة التمييز طالما كان إستخلاصه سائغا له أصله في الأوراق المقدمة إليه.
عيوب الحيازة:
لكي ترتب الحيازة آثارها فيما يتعلق بكسب الحق على الشيء أو الدلالة على هذا الحق، لا يكفي أن تكتمل أركانها بل يجب أن تكون صحيحة خالية من العيوب و قد نصت المادة (911) من القانون المدني على ذلك بقولها: "إذا اقترنت الحيازة بإكراه أو حصلت خفية أو كان فيها لبس فلا يكون لها أثر قبل من وقع عليه الإكراه أو أخفيت عنه الحيازة أو التبس أمرها عليه إلا من الوقت الذي تزول فيه العيوب". من هذا النص يتضح أن عيوب الحيازة ثلاث وهي: الإكراه و الخفاء و الغموض، و نبين كل منها على التوالي:
أولا: عيب الإكراه:
الإكراه هو استخدام القوة أو التهديد بإلحاق الأذى بشخص ما لكسب الحيازة و هو ما يتنافى و مسلك صاحب الحق الذي لا يحتاج إلى الإكراه لمباشرة سيطرته الفعلية على الشيء محل الحق و بالتالي فإن الحيازة المعيبة بعيب الإكراه هي التي اغتصبت بالقوة أو بالتهديد. و الإكراه يعيب الحيازة عند بدءها، فإذا بدأت هادئة كانت صحيحة حتى لو احتاج الحائز لاستخدام القوة للحفاظ عليها إعمالا لحقه الشرعي في الدفاع عن حقوقه، و ينطبق نفس الحكم إذا وجه أحد إنذارا إليه لانتزاعها منه أو حتى وقع الحجز على الشيء الموجود في حيازته لأن المالك نفسه يمكن أن يتعرض لمثل هذه الأفعال. و يجب أن يصدر الإكراه من الحائز نفسه أو من نائبه أو أحد أتباعه أو أي شخص آخر يعمل لمصلحته. و يترك لقاضي الموضوع تقدير ما إذا كانت وسائل الإكراه التي استخدمت يمكن أن تولد في نفس الحائز السابق أو في نفس المالك الخوف أو الرهبة من وقوع أذى جسيما به أو بأحد الأشخاص ممن يهمه أمرهم.
و الإكراه عيب مؤقت بمعنى أنه يزول بتوقف أعمال الإكراه حيث تصبح الحيازة هادئة و حينئذ ترتب أثرها من وقت الهدوء. كما أنه عيب نسبي بمعنى أن الحيازة لا تكون معيبة إلا في مواجهة من وقع عليه الإكراه دون غيره، فلا يستطيع التمسك به كعيب في الحيازة إلا الشخص الذي وقع عليه الإكراه و بالتالي إذا كان الحائز الحالي قد استخدم القوة لانتزاع الحيازة من الحائز السابق الذي يدعي أن حيازته قانونية فإنه يكون من حق هذا الأخير أن يتمسك بتعيب الحيازة بسبب الإكراه الذي وقع عليه دون المالك الحقيقي الذي تكون الحيازة في مواجهته هادئة و من ثم يستطيع الحائز أن يتمسك في مواجهته بالتقادم المثبت للملكية إذا اكتملت مدته و أن يحمي حيازته بدعاوي الحيازة إذا اعتدى المالك عليها.
ثانيا: عيب الخفاء:
يقصد بهذا العيب ممارسة الأعمال المادية على الشيء محل الحيازة في الخفاء بطريقة لا يمكن لصاحب الحق على هذا الشيء العلم بها مثل إخفاء السارق المنقولات المسروقة أو مرور الشخص خلسة في أرض جاره في وقت لا يمكن للجار رؤيته فيها. و معنى ذلك أنه لكي ترتب الحيازة أثرها في اكتساب الحق على الشيء محل الحيازة يجب أن يمارس الحائز الأعمال المادية التي يتكون منها الركن المادي للحيازة بطريقة ظاهرة تمكن مالك الشيء أو من له مصلحة بالعلم بها سواء علم فعلا أو لم يعلم لظروفه الشخصية كغيبته أو مرضه أو عدم يقظته. و هذا العيب لا يقتصر على بدء الحيازة مثل عيب الإكراه و إنما يوجد على مدار الحيازة كلها فإذا بدأت علنية ثم انقلبت خفية فإنها تصبح عديمة الأثر منذ اختفائها.
و يتصف هذا العيب بنفس صفتي عيب الإكراه بمعنى أنه عيب مؤقت يقتصر على فترة الخفاء فقط و يزول بممارسة أعمال الحيازة علنا و حينئذ لا تبدأ بترتيب أثارها إلا من وقت ظهورها، و كذلك هو عيب نسبي بمعنى أنه يقتصر أثره على من خفية عنهم مباشر الأعمال المادية للحيازة دون غيرهم من الأشخاص و ينتج عن ذلك أنه إذا كانت هذه الأعمال ظاهرة لمالك الشيء فإنها تصير حجة عليه حتى لو كانت غير ظاهرة لغيره من الناس.
ثالثا: عيب الغموض:
الغموض في الحيازة يعني عدم دلالة الأعمال المادية التي يمارسها الشخص على الشيء دلالة قاطعة على أنه يمارسها لحساب نفسه فيتوافر لديه الركن المعنوي للحيازة أو أنه يمارسها لحساب غيره فيكون حائزا عرضيا لا يترتب على الحيازة أثرها من حيث كسب الحق على الشيء مهما طالت مدتها. و هذا الأمر يتحقق إذا كانت الأعمال التي يقوم بها الحائز تحتمل معنيين فيصح أن تحمل على معنى أن الحائز يريد الاستئثار بالحق لنفسه أي أنه يحوز لحسابه هو و ليس الغير، كما يصح أن تحمل على معنى أنه يحوز الشيء لحساب غيره و مثال ذلك حيازة المالك على الشيوع للمال الشائع كله حيث يثور السؤال بخصوص مازاد عن حصته في هذا المال، فهل يحوزه لحساب نفسه فتكون حيازته قانونية أم لحساب شركائه فتكون حيازته عرضية، و كذلك حيازة الوارث أعيان التركة فهل يحوزها في مازاد عن نصيبه منها لحسابه الخاص بنية تملكها أم لحساب باقي الورثة. و ينطبق نفس الحكم على حيازة الزوج لأشياء مملوكة لزوجته، و حيازة الخادم للأشياء المملوكة لمخدومة، و حيازة صاحب الفندق لمنقولات أحد النزلاء...إلخ. و كما قلنا بالنسبة لعيبي الإكراه و الخفاء فإن هذا العيب له نفس الخصيصتين، فهو عيب نسبي بمعنى أنه لا يكون له الأثر في إعدام آثار الحيازة القانونية إلا على من التبس عليه أمرها أي التحقق من نية الحائز في حيازته و تنتج أثرها بالنسبة لمن كانت واضحة عنده؛ بالإضافة إلى أنه عيب مؤقت بمعنى أنه يزول بزوال الغموض الذي يكتنف الحيازة و ذلك بصدور عمل من الحائز يدل بوضوح على أنه يحوز لحسابه الخاص و ليس لحساب الغير فمنذ ذلك الوقت تصبح الحيازة صحيحة مرتبة لآثارها القانونية في كسب الحق على الشيء.
المركز القانوني للحائز:
إذا تحققت الحيازة القانونية بركنيها المادي و المعنوي منحت الحائز مركزا قانونيا مميزا يتمثل أن حيازته هذه قرينة على الحق الذي يحوزه بإفتراض مطابقة الوضع الذي يظهر به للواقع و الحقيقة؛ غير أن هذه قرينة تقبل إثبات العكس، فإذا ما ثبت العكس إلتزم الحائز برد الشيء الذي يحوزه إلى صاحبه و حينئذ تنشأ علاقات قانونية بين الحائز و بين صاحب الحق و يترتب عليها حقوق و إلتزامات على الحائز في مواجهة صاحب الحق.
هذا المركز القانوني يستدعي الكلام في موضوعين ؛ الأول:  قرينة الحيازة على الحق، و الثاني: علاقة الحائز بصاحب الحق إذا إلتزم برد الشيء إلي، و نتكلم فيهما على التوالي:
أولا: قرينة الحيازة على الحق:
طبقا للمادة (923) مدني فإن من حاز شيئا ظاهرا عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عيني آخر أعتبر هو المالك أو صاحب الحق، مالم يثبت العكس.
 هذه القرينة تستند إلى الظاهر و هو يعني أن الحائز يظهر بمظهر صاحب الحق بمباشرة السيطرة المادية على الشيء كصاحبه و بالتالي يفترض أن هذا الظاهر يطابق الحقيقة.
و بمقتضى هذه القرينة أنه إذا نازع شخص الحائز بأنه ليس صاحب الحق على الشيء فعليه إثبات ما يدعيه و ليس الحائز؛ و يكفي الحائز أن يثبت توافر الحيازة بركنيها ليعتبر صاحب الحق إلى أن يثبت الآخر العكس. و لا ريب في أن إثبات الحيازة أسهل بكثير من إثبات الحق لأنه يكفي فيها إثبات الركن المادي فقط و يفترض حينئذ ثبوت الركن المعنوي لدى الحائز.
فإذا أثبت من جانب صاحب الحق، هدمت هذه القرينة و ثبت الحق لصاحبه غير الحائز، و يلغى إفتراض أن الحائز هو صاحب الحق لأن الحقيقة أقوى من الإفتراض.
و هذه القرينة لا تطبق في حالة الحائز العرضي مثل المستأجر الذي يحوز الشيء لحساب المؤجر و بالتالي على المستأجر أن يقدم الدليل على إنتقال الحق على الشيء "المستأجر إليه"، أي سند الملكية إذا كان يدعي إنتقال ملكية الشيء الذي إستأجره إليه.
ثانيا علاقة الحائز بصاحب الحق إذا إضطر إلى رد الشيء إليه:
إذا إضطر الحائز لرد الشيء الذي يحوزه إلى صاحب الحق فيه فإن السؤال يثور بصدد إلتزامات الحائز و حقوقه  في مواجهة صاحب الحق و هو مانعالجه على التوالي:
أ‌.        إلتزامات الحائز في مواجهة صاحب الحق:
تترتب على الحائز الإلتزامات الآتية:
1.     رد الشيء الذي يحوزه إلى صاحب الحق؛ و لتحديد مدى هذا الإلتزام نفرق بين ما إذا ان الحائز حسن النية أو سيء النية؛ فإذا كان الحائز حسن النية أي يجهل أنه يعتدي على حق الغير بوضع يده على الشيء فإن الحائز يسأل عن رد الشيء بحالته وقت الرد و لو كان قد أصابه تلف أو هلاك جزئي أو كلي و لا يكون مسئولا عن التلف أو الهلاك إلا في حدود ما عاد عليه من فائدة مثل مبلغ التأمين الذي يقبضه من شركة التأمين في حالة هلاك الشيء أو التعويض الذي يستحقه من الغير الذي أتلف الشيء و لا أكثر من ذلك و لكن ينبغي أن يكون التلف أو الهلاك بسبب أجنبي عنه و ليس بفعله أو خطأه، و في حالة التصرف في الشيء للغير بعوض عليه أن يرد العوض لصاحب الحق، أما إن كان بدون عوض كهبته للغير مثلا فلا يلزم تجاه صاحب الحق بشيء.
و أما إن كان الحائز سيء النية أي يعلم بأنه ليس صاحب حق على الشيء أو كان بمقدوره أن يعلم بذلك فإنه يسأل عن رد الشيء و قيمة ما تلف منه و لو كان ذلك راجعا لسبب أجنبي مالم يثبت أن الشيء كان سيتلف حتما و لو كان عند صاحبه و هذا الإستثناء يلغى إذا كان الشيء المحاز منقولا سرقه الحائز بمعنى أنه سيدفع قيمته حتى و لو كان سيتلف حتما إذا كان عند صاحبه. و إذا تصرف الحائز في الشيء للغير إلتزم برد قيمته لصاحب الحق سواء كان قد تصرف فيه بمقابل أو بدون مقابل.
2.     إلتزام الحائز برد ثمار الشيء إلى صاحب الحق:
إذا التزم الحائز برد الشيء لصاحب الحق، أثير التساؤل عن مصير الثمار التي حصل عليها من الشيء أثناء حيازته له. القاعدة هنا أن الحائز يلتزم برد الثمار إلى صاحب الشيء باعتبارها تابعة للشيء الذي رده على اعتبار أن ملكية الشيء طبقا للمادة (811) تشمل أجزاه و ثماره و منتجاته.
و لكن هذه القاعدة تلغى في حالة حيازة الشيء بحسن نية حيث يحتفظ بهذه الثمار طبقا للمادة (929) فقرة 1 من القانون المدني التي تقول: "لحائز الشيء الحق فيما يقبضه من ثمار و ما يحصل عليه من منفعة مادام حسن النية". و السبب في ذلك أن الحائز عادة يكون قد استهلك هذه الثمار لاعتقاده أنه صاحب حق فيها ثم إنه قد بذل جهدا في إنتاجها أثناء حيازته للشيء و المالك قد أهمل في عدم استرداد الحيازة من تحت يده فورا و من ثم وجب تفضيل الحائز عليه و الاعتراف له بالحق في الثمار التي قبضها طالما كان حسن النية.
و لكن يشترط لاحتفاظ الحائز بالثمار الشروط الآتية:
1.     قبض الحائز للثمار: بمعنى أنه يجب أن يكون الحائز قد أخذها بالفعل باعتبارها من منافع الشيء الموجود في حيازته، أما الثمار التي لم يقبضها فلا حق له فيها و لو كانت قد نتجت من الشيء فعلا. و قبض الحائز لثمار الشيء يعني جنيها و حيازته لها، فمثلا الفاكهة يتم قبضها بفصلها عن أصلها و لو لم يتم نقلها من مكانها أما قبل الفصل فتعد جزا من الشيء و تأخذ حكمه و تكون حينئذ مملوكة لصاحب الشيء، و أما الثمار المدنية من أجرة و ريع الأسهم و السندات و فوائد النقود فقبضها يتم باستحقاقها عن كل المدة التي ظل فيها حسن النية و ليس بأخذها فعلا أو تسلمها و لكن إذا كان قد قبض جزءا معجلا منها مقدما فلا يستحق منه إلا الجزء المقابل للمدة السابقة على رد الشيء لصاحبه.
أما المنفعة المباشرة كاستعمال المنزل و ركوب السيارة فتستحق يوم بيوم فما سبق منها على رد الشيء يكون للحائز و كل ذلك تطبيقا للمادة (929) فقرة 2 من القانون المدني التي تنص على أنه  " تعتبر الثمار الطبيعية أو المستحدثة مقبوضة يوم فصلها، أما الثمار المدنية فتعتبر مقبوضة يوما فيوما، و الحصول على المنفعة كقبض الثمار المدنية".
2.     حسن نية الحائز: اعتقاده وقت قبضه الثمار أن له الحق في قبضها و الاحتفاظ بها و هذا ينتج عن اعتقاد آخر هو أنه صاحب الحق في حيازة الشيء الذي أنتجها و لو كان على غير الحقيقة. و يعتبر الحائز جاهلا اعتداءه على حق الغير في الحيازة إذا كان قد وقع في غلط بشأن انتقال الحيازة إليه سواء كان هذا الانتقال بتصرف قانوني من مالك الشيء أو غير مالكه أو بغير تصرف قانوني كالوفاة.
فإذا كان يعلم أن الحق الذي يحوزه لم ينتقل إليه لكونه مثلا سندا باطلا أو صوريا فإنه يكون سيء النية و لا يجوز له الاحتفاظ بثمار هذا الشيء طبقا للمادة (915) مدني، و و يكون سيء النية أيضا في الأحوال التالية:
a.     إذا كان جهله بعدم أحقيته بالحيازة راجعا إلى خطأ جسيم منه، فلم يهتم مثلا ببحث المستندات التي في حوزة من نقل الحيازة إليه و اتضح بعد ذلك أنه غير مالك للشيء.
b.     إذا اغتصب الحائز الشيء بالإكراه من الغير.
c.      إذا أعلن بصحيفة دعوى مضمونها أن حيازته اعتداء على حق الغير مثل دعوى الإسحقاق أو استرداد الثمار.
و العبرة في حسن النية هو وقت قبض الحائز للثمار لا وقت الحيازة و في كل مرة يتم فيها القبض و الأصل حسن نية الحائز و على من يدعي العكس إثبات ما يدعيه و بكافة الطرق. و لكن إذا بدأت الحيازة بسوء نية فإنها تظل كذلك إلى أن يثبت الحائز نفسه أنه أصبح حسن النية كأن يشتري الشيء من شخص معتقدا على غير الحقيقة أنه مالك لهذا الشيء.
فإذا توافر الشرطان السابقان في الحائز جاز له الاحتفاظ بالثمار التي قبضها بغض النظر عن الدعوى التي رفعت عليه لاسترداد الحيازة.
أما إذا لم يتوافر الشرطان السابقان فليس له الحق في ثمار الشيء محل حيازته و إذا كان قد قبضها بالفعل وجب عليه أن يردها لصاحب الشيء، و إذا كان قد استهلكها وجب عليه رد قيمتها كما يلتزم برد هذه القيمة إذا كان قد قصر في قبضها و ترتب على ذلك تلفها تطبيقا للمادة (930) مدني التي تنص على:
"يكون الحائز مسئولا من وقت ان يصبح سئ النية عن المنفعة التي حصل عليها والثمار التي قبضها او التي قصر في قبضها ، ويجوز له ان يسترد ما انفعه في انتاج الثمار".
§        حق الحاجز في إسترداد المصروفات التي أنفقها على الشيء الموجود في حيازته:
إذا كان الحائز قد أنفق على الشيء نفقات في حفظه أو إدارته ثم رده إلى صاحب الحق فيه أمكنه إسترداد هذه المصروفات، و لكن يتوقف حقه في ردها على نوع هذه المصروفات و ذلك على النحو التالي:
أولا: المصروفات الضرورية:
و هي التي تنفق للمحافظة على الشيء من الهلاك أو التلف مثل المبالغ التي ينفقها لتقوية أساسات المنزل لتفادي هدمه أو إنهياره و كذلك ترميم سقف المنزل لنفس العلة و الأمر كذلك المصروفات التي ينفقها لعلاج الحيوان من المرض حتى لا ينفق إلى غير ذلك، و للحائز الحق في إسترداد هذه المصروفات سواء كان حسن النية أو سيء النية لأن المالك كان سينفقها حتما لو كان الشيء تحت حيازته.
ثانيا: المصروفات النافعة:
و هي التي يترتب عليها تحسين في الشيء بالزيادة في قيمته أو منفعته مثل إدخال المياه أو الكهرباء إلى المنزل أو بناء طابق أعلاه أو تركيب تكييف به أو مصعد كهربائي أو مضخات لرفع المياه إلى الأدوار العليا، و الأمر كذلك في حفر القنوات بالأراضي الزراعية لتحسين خصوبتها و صرف المياه الزائدة منها. و يختلف الحكم في إسترداد هذه المصروفات بحسب ما إذا كان الحائز سيء النية أو حسن النية، فإذا كان سيء النية أي يعلم أنه لا حق له في الحيازة أصلا كان المالك له الحق في الإختيار بين أمرين:
1.     طلب إزالة التحسينات على نفقة الحائز ورد الشيء إلى أصله خلال سنة واحدة من علمه بإحداثها.
2.     إستبقاء هذه التحسينات مقابل دفع إحدى قيمتين؛ الأولى: دفع قيمة هذه التحسينات مستحقة الإزالة، الثانية: مازاد بسببها في قيمة الشيء و ذلك تطبيقا للمادة (882) مدني.
أما إذا كان الحائز حسن النية أي يعتقد أن له الحق في حيازة الشيء فإن المالك لا يستطيع أن يطلب إزالة التحسينات مراعاة لحسن نية الحائز و عليه أن يستبقيها و أن يدفع مقابل ذلك إحدى قيمتين؛ الأولى دفع قيمة ما أنفقه الحائز فعلا في ثمن الأشياء التي أقام بها هذه التحسينات بالإضافة إلى أجر العمل، و الثانية مازاد في قيمة الشيء بسبب هذه التحسينات و ذلك طبقا للمادة (883) مدني.
ثالثا: المصروفات الكمالية:
و هي التي تنفق لمجرد التزيين و التجميل مما يزيد من تمتع الحائز بالشيء مثل عمل زخارف أو رسم لوحات فنية على جدران المنزل، و هذه المصروفات ليس للحائز إسترداد قيمتها لأنها شخصية محضة و قد أنفقها لمتعته الشخصية لا أكثر، و لكن له أن ينزعها و إعادة الشيء إلى حاله مالم يرغب المالك في إستبقائها مقابل دفع قيمتها مستحقة الإزالة.
§        رد المصروفات التي أنفقها حائز سابق:
إذا كان الحائز من حقه أن يسترد المصروفات التي أنفقها هو على الشيء الذي في حيازته على النحو السابق تفصيله فإن له الحق أيضا طبقا للمادة (932) مدني أن يسترد ما دفعه هو إلى حائز سابق من مصروفات أنفقها على الشيء و يكون إلتزام المالك بردها إليه في الحدود السابق ذكرها.
 
 
§        تيسير الوفاء بالمصروفات:
طبقا للمادة (933) يجوز للمحكمة أن تيسر على المالك رد المصروفات للحائز و ذلك بأن تؤجل ذلك السداد إلى فترة معينة أو تقسطه عليه بحسب ظروفه و هذا كله إذا قدم ضمانات كافية للسداد سواء في حالة التأجيل أو التقسيط.
§        حق الحائز في حبس الشيء الموجود في حيازته:
إذا كان إلتزام المالك برد المصروفات إلى الحائز حالا أي واجب الدفع فورا و كان هذا الشيء تحت يد الحائز أي لم يرده بعد إلى المالك كان له أن يحبسه إلى حين إسترداد حقه منه و لكن إذا أنظرت المحكمة المالك إلى أجل للسداد أو آجالا متعددة فلا يحق للحائز الحبس لأن هذا الحق لا يثبت إلا للدين واجب الوفاء فورا. و يستثنى من ذلك أن يكون إلتزام الحائز برد الشيء إلى المالك ناشئا عن عمل غير مشروع كسرقة الشيء أو غصبه من صاحبه حيث لا يحق له الحبس تطبيقا للمادة (818) فقرة 2 من القانون المدني.
أحكام الحيازة:
تتناول أحكام الحيازة الموضوعات الآتية:
1.     إكتساب الحيازة.
2.     إنتقال الحيازة.
3.     زوال الحيازة.
4.     حماية الحيازة.
و نتناول هذه الموضوعات تباعا:
أولا: إكتساب الحيازة:
تكتسب الحيازة بإكتمال ركنيها المادي و المعنوي، أي السيطرة المادية الفعلية على الشيء سيطرة تامة بقصد الظهور على هذا الشيء بمظهر المالك أو صاحب الحق العيني، و قد تكتسب الحيازة إبتداءا بإرادة الحائز نفسه الذي يضع يده على الشيء و يستعمله لحسابه و يتحقق ذلك في حالتين:
1.     إذا لم يكن هناك حائز سابق للشيء حيث يكون هذا الشيء مباحا و يتملكه من يضع يده عليه طبقا لما ذكرناه في الإستيلاء كسبب من أسباب الملكية.
2.     إذا كان هناك حائز سابق للشيء و لكن الحائز الجديد سرقه أو غصبه منه حيث تؤدي حيازته إلى إلغاء الحيازة السابقة و بدء حيازة جديدة.
و قد تنتقل الحيازة إنتقالا مشروعا من شخص لآخر إما بقوة القانون كأن يتوفى الحائز السابق و تنتقل حيازة أموال تركته إلى خلفه العام و هم الورثة و الموصى لهم بجزء من التركة كالثمن أو الربع أو الثلث مثلا؛ و إما بمقتضى تصرف قانوني مثل البيع أو الهية أو الوصية بمال معين من أموال التركة حيث يكون الحائز الحالي خلفا خاصا للحائز السابق. و قد ذكرنا سابقا أن الركن المادي للحيازة يثبت بجميع طرق الإثبات كواقعة مادية و أما الركن المعنوي فيفترض لمن يثبت لديه الركن المادي فلا يكلف حينئذ بإثبات نيته في الظهور على الشيء بمظهر المالك أو صاحب الحق العيني و لكن هذه قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس. كما قلنا أيضا أن هذه القرينة لا تقوم في حالة إنتقال السيطرة المادية على الشيء من حائز سابق إذ يفترض حينئذ أن الحيازة تتم لحساب من إنتقلت منه و من ثم تكون حيازة الحائز الجديد حيازة عرضية و ليست حقيقية أو قانونية و مع ذلك يمكن إثبات العكس بإقامة الدليل على أن الحائز الجديد حائز لحساب نفسهه و ليس لحساب الحائز السابق و يكون ذلك بتقديم السند الذي إنتقلت به الحيازة القانونية إليه مثل عقد البيع أو عقد الهبة.
§        صفة الحيازة:
طبقا للمادة (916) من القانون المدني فإن الحيازة تكتسب بنفس الصفة التي بدأت بها و تبقى محتفظة بهذه الصفة إلى أن يثبت العكس و بالتالي فإن بدأت الحيازة عرضية إفترض إستمرارها كذلك إلى أن يثبت الحائز على أنها تحولت إلى حيازة كاملة و مثل لك المستأجر الذي يتغير وضعه إلى مالك للعين المؤجرة. و ينطبق نفس الحكم إذا بدأت الحيازة بسوء نية فإنها تستمر كذلك إلى أن يثبت الحائز أنها تحولت إلى حيازة بحسن نية. و قد بينا سابقا متى تكون الحيازة بحسن نية و متى تكون بسوء نية.
ثانيا: إنتقال الحيازة:
يتم إنتقال الحيازة من شخص لآخر بإنتقال ركنيها المادي و المعنوي من الأول إلى الثاني و يتطلب ذلك تسليم الشيء محل الحيازة من الحائز السابق إلى الحائز اللاحق. و التسليم ثلاثة أنواع، فقد يكون تسليما فعليا أو تسليما حكميا أو تسليما رمزيا. أما التسليم الفعلي فهو التسليم المادي بوضع الشيء تحت تصرف الحائز بحيث يكون في مقدوره حيازته و الإنتفاع به دون عائق و لو لم يضع يده عليه ماديا مادام قد أخطر بذلك تطبيقا للمادة (918) مدني.
و أما التسليم الحكمي و هو الذي يتم بتغيير نية الحائز دون نقل الشيء ماديا من حيازته إلى حيازة شخص آخر و يتحقق ذلك طبقا للمادة (919) في حالتين:
1.     أن يستمر الحائز السابق واضعا يده لحساب من يخلفه في الحيازة و مثل ذلك أن يضع البائع يده على الشيء المبيع بصفته مستأجرا له من المشتري حينئذ يكون المشتري هو الحائز الحقيقي للشيء المبيع لتوافر الركن المعنوي لديه و هو الظهور بمظهر المالك على هذا الشيء أما البائع فيكون حائزا عرضيا لحساب المشتري و هكذا تنتقل الحيازة إلى المشتري رغم أنه لم يتسلم الشيء من البائع.
2.     أن يستمر الخلف واضعا يده على الشيء و لكن لحساب نفسه و ليس لحساب غيره و مثل ذلك أن يشتري المستأجر أو المودع لديه الشيء المستأجر أو المودع لديه من قبل حينئذ لا يوجد إنتقال مادي للشيء من شخص لآخر و لكن النية فقط هي التي تغيرت حيث ينوي المستأجر أو المودع لديه في هذا المثال الحيازة لحساب نفسه بدلا من الحيازة لغيره.
و أما التسليم الرمزي هو الذي يتم ليس بتسليم الشيء نفسه للحائز الجديد و إنما فقط بتسليمه شيئا آخر يمكنه من إستلام الشيء الذي تنتقل إليه حيازته و مثاله تسليم الحائز الجديد مفتاح المخزن الموجود به الشيء الذي يريد حيازته أو المستند الذي سيتسلم بمقتضاه الحائز الشيء من أمين النقل و ذلك طبقا للمادة (920) فقرة 1 و لكن يراعى هنا أنه إذا تم تسليم الشيء فعلا لشخص بأن تسلم البضاعة المودعة بالمخزن أو المعهود بها إلى أمين النقل و تم تسليم سندها إلى شخص آخر فإن الأفضلية تكون لمن تسلم الشيء فعلا أي البضاعة حتى لو كان تسليم سندها قد حدث قبل ذلك بشرط أن يكون هذا الشخص حسن النية أي لا يعلم بسبق تسلم الآخر مستندات هذه البضاعة، فإن كان سيء النية يعلم بسبق تسليمها لهذا الآخر فضل الأخير عليه طبقا للمادة (920) فقرة 2.
§        حالتي إنتقال الحيازة:
تنتقل الحيازة في حالتين: الخلافة العامة و الخلافة الخاصة للحائز السابق. أما إنتقال الحيازة إلى الخلف العام فإنه يتم بمجرد وفاة السلف و بقوة القانون تبعا لإنتقال ملكية أموال التركة منه إلى خلفه و دون حاجة للتسليم الفعلي، و تعتبر حيازة الخلف العام إستمرارا لحيازة سلفه و من ثم يكون لها نفس صفتها السابقة من حيث كونها قانونية أو عرضية أو معيبة أو غير ذلك. و لكن يمكن تغيير صفة سوء النية في الحيازة بفعل الخلف العام بأن يثبت أنه كان حسن النية في حيازته بالرغم من أن حيازة سلفه كانت بسوء نية و ذلك تطبيقا للمادة (917) مدني التي تقضي بأنه: "إذا كان السلف سيء النية و أثبت الخلف أنه كان في حيازته حسن النية جاز له أن يتمسك بحسن نيته و من ثم التمسك بالآثار التي يرتبها القانون على حسن نية الحائز".
و أما إنتقال الحيازة إلى الخلف الخاص كالمشتري و الموهوب له و الموصى له بعين معينة بالذات فإنه لا يتم إلا بتوافر شرطين طبقا للمادة (918) مدني و هما:
1.     أن يتم الإنتقال تنفيذا لإلتزام سابق و غالبا مايكون مصدرة هذا الإلتزام إتفاقا بين السلف و الخلف مثل عقد البيع أو عقد الهبة.
2.     أن يتسلم الخلف الخاص الشيء فعلا أي ماديا، أو رمزيا بحيث يمكنه أن يتسلمه ماديا بعد ذلك و إن لم يتسلمه فعلا.
و لا تنتقل الحيازة السابقة إلى الخلف الخاص بنفس صفتها السابقة لأنها ليست إمتدادا لها بل حيازة جديدة و بالتالي يمكن أن تكون السابقة بسوء نية و اللاحقة بحسن نية و يفترض في اللاحقة حسن النية إلى أن يثبت العكس. و يجوز للخلف الخاص بصفة إستثنائية و طبقا للمادة (921) مدني أن يضم إلى حيازته حيازة سلفه في كل مايرتب القانون من أثر على الحيازة كما في التقادم المكسب للحق و الإستفادة من دعاوي الحيازة إذا كانت حيازة السلف قانونية و غير مشوبة بأي عيب من عيوب الحيازة.
ثالثا: زوال الحيازة:
تزول الحيازة أي تنتهي بزوال ركنيها المادي و المعنوي معا أو بزوال أحدهما فقط و طبقا للمادة (922) فإن  الحيازة تزول في حالتين:
1.     التخلي عن الحيازة، أي ترك حيازة الشيء بإرادة الحائز و يتم ذلك في عدة أحوال هي:
a.     نقل الحيازة إلى الغير نتيجة تصرف قانوني يلزم الحائز بذلك مثل عقد البيع.
b.     إقرار الحائز بحق الغير في حيازة الشيء إثر نزاع بينهما في هذا الشأن.
c.      ترك الشيء محل الحيازة بنية التخلي عنه نهائيا دون أن ينقل حيازته للغير.
2.     فقد الحيازة أي زوال السيطرة المادية على الشيء محل الحيازة دون إرادة الحائز كما لو كان حيوانا فهرب أو ضل الطريق و كف حائزه عن تتبعه بعد فقد الأمل في العثور عليه. و لا يتحقق الفقد إذا كان عدم السيطرة المادية على الشيء راجعا إلى مانع وقتي كما لو تعطلت السيارة في منطقة غير مأهولة بالسكان فيتركها صاحبها في مكانها إلى أن يتم إصلاحها، أو تغمر مياه الأمطار أرضا معينة فيتخلى الحائز عنها إلى حين جفافها، أو أن يحتل العدو جزء من إقليم الدولة بما يمنع سكانه من السيطرة المادية على عقاراتهم في هذا المكان. و قد أوردت المادة (922) حكما خاصا بفقد حيازة العقار و هو أنه إذا سلبت حيازته من حائزه و إستطاع إسترداد هذه الحيازة خلال ال 3 سنوات التالية لفقدها أعتبرت أنها لم تزل أصلا و كأن الحائز لم يفقدها و يمكن أن ترفع دعوى إسترداد الحيازة خلال هذه المدة حتى و إن لم يتمكن الحائز من إستردادها إلا بعد ذلك، فإذا لم يرفع دعوى الإسترداد على من إغتصبها خلال الفترة المذكورة أعتبرت مفقودة من يوم سلبها و ليس من يوم مضي ال3 سنوات المحددة أعلاه. و إذا لم يسلب الغير حيازة العقار و إقتصر الأمر على قعود الحائز عن ممارسة السيطرة المادية عليه، فإن حيازته للعقار لا تزول عن الحائز إستنادا إلى الركن المعنوي فقط و المتمثل في نية الحائز في الظهور بمظهر صاحب الحق على العقار و يستوي في ذلك أن يكون عدم مباشرة السيطرة المادية على العقار إختياريا من الحائز أو رغما عنه لمرضه أو غيبته مادام في إستطاعته أن يعود في أي وقت لمباشرة السيطرة المادية عليه و لم يقصد التخلي عن حيازته بصفة نهائية.
 
رابعا: حماية الحيازة:
قرر القانون حماية الحيازة بدعاوي ثلاث هي: دعوى إسترداد الحيازة و دعوى منع التعرض و دعوى وقف الأعمال الجديدة. و تختلف دعاوي حماية الحيازة عن دعاوي حماية الملكية أو أي حق عيني على الشيء في أن الأخيرة تهدف إبى حماية الحق المدعى به و لذلك فهي تتعرض حتما لأساس هذا الحق أي سنده القانوني و مشروعيته من عدمه أما دعاوي حماية الحيازة فتهدف فقط إلى حماية وضع اليد بإعتباره أمرا واقعا دون بحث في ما إذا كان هذا الوضع يستند إلى حق أم لا و هل هو مشروع أم لا و يترتب على ذلك نتيجتان هامتان:
1.     أنه لا يجوز الجمع بين دعاوي حماية الملكية أو الحق العيني و دعاوي الحيازة لأن الأولى أقوى من الثانية و بالتالي تسقط إذا رفعت دعاوي الملكية.
2.      أن الحكم بالحيازة حكم وقتي لأنه لا يفصل في موضوع الحق بل فقط في وضع ظاهر و بالتالي إذا ثبت أن الحائز ليس له الحق في الحيازة سقط الحكم بحمايته.
و يلاحظ أن دعاوي الحيازة تقتصر على العقارات دون المنقولات لأن المنقولات لا تحتاج حيازتها لهذه الدعاوي و يكفي إستناد الحائز فيها إلى قاعدة "الحيازة في المنقول سند الحائز" لتمنحه الحماية الكافية و تجعله في غير حاجة لدعاوي الحيازة. و نتعرض لدعاوي الحيازة الثلاث على التوالي:
1.    دعوى إسترداد الحيازة:
هذه الدعوى تفترض أن الحيازة سلبت من الحائز بطريقة عدوانية أي بعمل إيجابي غير مشروع يستوي أن يكون هذا العمل علنا أو في الخفاء دون علم الحائز، و لكن يشترط لقبول هذه الدعوى شرطان:
1.     أن تكون الحيازة خالية من العيوب المعروفة و هي الإكراه و الخفاء و الغموض.
2.     أن ترفع الدعوى خلال 3 سنوات تحسب من تاريخ سلب الحيازة إن سلبت علنا أو من تاريخ إكتشاف سلبها إن سلبت خفية، و هذه المدة هي مدة سقوط و ليس مدة تقادم فلا يطرأ عليها الوقف أو الإنقطاع.
و لا يشترط لقبول هذه الدعوى أن يكون الحائز الذي سلبت حيازته:
1.     حائز حقيقي أو حائز عرضي لحساب الغير تطبيقا للمادة (924) فقرة 2 من القانون المدني.
2.     أن يكون حسن النية أو سيء النية لأن الحماية تتم لوضع واقعي لا أكثر، و الأمر كذلك في من سلب هذه الحيازة فيستوي أن يكون حسن النية يعتقد أنه الأحق بها أو سيء النية لا يعتقد ذلك لأنه حتى لو كان حسن النية كان يجب عليه أن يسلك الطريق القانوني لإستردادها عن طريق القضاء و لا يسلبها لأن هذا العمل يعتبر عملا عدوانيا لا يجيزه القانون.
3.     أن تكون الحيازة قد إستمرت مدة معينة قبل سلبها إلا في حالة واحدة و هي أنه إذا لم يكن مضى على الحيازة 3 سنوات وقت فقدها فلا يجوز للحائز إستردادها إلا من شخص لا يستند إلى حيازة أحق بالتفضيل، و الحيازة الأحق بالتفضيل هي التي يستند فيها الحائز إلى سند قانوني، فإذا لم يكن لدى لدى أي من الحائزين سندا قانونيا يفضله على الآخر أو كانت السندات متعادلة فإن الحيازة الأحق بالتفضيل هي الأسبق في التاريخ طبقا للمادة (925) فقرة 1 من القانون المدني، و لكن لا يطبق هذا الإستثناء إذا كان فقد الحيازة قد تم بالقوة حيث لا يشترط لإستردادها مضي 3 سنوات قبل فقدها طبقا للمادة (925) فقرة 2 و لكن يجب عليه أن يطالب بإستردادها خلال ال 3 سنوات التالية لسلبها.
 
2.    دعوى منع التعرض:
هذه الدعوى تهدف إلى منع كل عمل يصدر من الغير و يترتب عليه حرمان الحائز من التمتع بحيازة العقار و هو تحت يده أو الإنتقاص من منفعته بالنسبة له، يستوي أن يكون التعرض ماديا مثل دخول الأرض محل  الحيازة و الرعي فيها أو منع الحائز من دخولها، أو تعرض قانوني مثل إنذار الحائز على أساس أنه مستأجر و مطالبته بالأجرة و طرده من العين إذا لم يدفعها في وقت معين. و يشترط لقبول هذه الدعوى طبقا للمادة (927) مدني، ثلاث شروط:
1.     أن تكون الحيازة قانونية أي يتوافر فيها الركن المادي و الركن المعنوي و ليست عرضية.
2.     أن تكون الحيازة قد إستمرت 3 سنوات قبل وقوع التعرض.
3.     أن تقام الدعوى خلال ال 3 سنوات التالية لوقوع التعرض.
فإن لم تتوافر هذه الشروط الثلاثة رفضت الدعوى. و لكن لا يشترط لقبول هذه الدعاوي ما يلي:
1.     أن يكون المتعرض صاحب حق في الحيازة أم لا و سواء كان حسن النية أم سيء النية.
2.     أن يقع التعرض في العقار محل الحيازة ذاته أو في عقار آخر مجاور مثل إقامة الجار حائطا في أرضه يمنع به الهواء و النور عن المنزل محل الحيازة أو يسد به مطلا (نافذة) في هذا العقار.
3.     أن يثبت الحائز أنه أصيب بضرر من التعرض أم لم يثبت ذلك.
3.    دعوى وقف الأعمال الجديدة:
هذه الدعوى تهدف إلى وقف الأعمال  الجديدة التي يشرع الجار في إقامتها و يكون من شأنها لو تمت تهديد الحيازة و منع الإنتفاع بالشيء على الوجه الأكمل؛ فهي لا تواجه تعرضا وقع بالفعل و إنما تواجه التهديد بالتعرض و مثل ذلك أن يشرع الجار في إقامة بناء على أرضه و من شأنه إذا تم أن يسد مطلا في منزل الحائز حينئذ يمكن للحائز إقامة هذه الدعوى لمنعه من إتمام البناء. و طبقا للمادة (828) فإنه يشترط لقبول الدعوى الشروط الآتية:
1.     أن تكون الأعمال المطلوب وقفها قد وقعت في أرض أو عقار المعتدي و ليس في العقار محل الحيازة.
2.     أن توجد أسباب معقولة تستدعي الخشية من الإعتداء على الحيازة إذا تمت الأعمال الجديدة و على الحائز رافع الدعوى أن يبين هذه الأعمال حتى يتسنى للقاضي تقدير مدى الخطر المتوقع من إقامتها.
3.     أن تكون الحيازة المهددة بهذه الأعمال حيازة قانونية و ليست عرضية و أن تكون قد إستمرت 3 سنوات قبل القيام بهذه الأعمال الجديدة التي تهددها.
4.     أن ترفع الدعوى خلال ال 3 سنوات التالية لبدء هذه الأعمال مادامت لم تكن قد تمت فعلا و أما إذا كانت قد تمت بالفعل فإن هذا يعد تعرضا فعليا يجيز إقامة دعوى منع التعرض و ليس دعوى وقف الأعمال الجديدة.
سلطة المحكمة إزاء دعوى وقف الأعمال الجديدة:
للمحكمة سلطة تقديرية في أن تحكم بوقف هذه الأعمال أو إستمرارها فإذا تبين لها بحسب الظاهر أن الحائز محق في دعواه حكمت بوقف هذه الأعمال و ليس إزالتا، و هذا الحكم هو حكم مؤقت إلى حين رفع دعوى أخرى بموضوع الحق المتنازع عليه و الحكم فيه؛ و يجوز لها حينئذ أن تلزم الحائز بدفع كفالة لتعويض المدعى عليه عن الضرر الذي يصيبه من جراء وقف أعماله. و لها كذلك أن تأذن بإستمرار الأعمال الجديدة إذا رأت بحسب الظاهر أن الحائز المدعي غير محق في دعواه و لكنها في هذه الحالة يجوز لها أن تلزم المدعى عليه بتقديم تأمين يودع في خزانة المحكمة لتعويض الضرر الذي يصيب الحائز إذا تبين فيما بعد على أنه على حق في دعواه.
آثار الحيازة في كسب الملكية:
يترتب على الحيازة إكتساب الحائز لملكية الشيء الموجود في حيازته إذا توافرت شروط معينة، و يجب هنا التفرقة بين حيازة المنقولات و حيازة العقارات.
أولا: حيازة المنقولات:
طبقا للمادة (937) مدني فإن من يحوز منقولا ظاهرا عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عيني آخر يعتبر مالكا أو صاحب حق عيني في هذا المنقول فورا أي بمجرد إكتمال ركني الحيازة لديه و هذا ما يطلق عليه في القانون قاعدة الحيازة في المنقول سند الحائز. و الحكمة من هذه القاعدة أو مبرر وجودها هو طبيعة المنقولات المتحركة و ما تفرضه من سرعة في التداول بين الأشخاص في الوقت الذي لا توجد فيه وسيلة للتحقق من سند ملكية هذا الحائز أو حقه العيني على هذا المنقول بالنظر إلى إستحالة إخضاع جميع المنقولات لقواعد التسجيل أو الشهر في مصلحة الشهر العقاري، و بالتاي فإن إستقرار المعاملات يقتضي ضرورة حماية المتعاملين فيها و تأمينهم على ما يكتسبون من حقوق عليها بمجرد حيازتها و ذلك إذا توافرت شروط معينة، و هذه الشروط كالتالي:
1.     حيازة منقول مادي حيازة حقيقية فعلية، أي أن يكون الحائز واضعا يده فعلا على المنقول و مسيطرا عليه سيطرة كاملة بإعتباره صاحب حق عيني عليه سواء كان هذا الحق حق ملكية أو حقا عينيا آخر و بالتالي فإن من يشتري منقولا ثم يستبقيه لدى البائع على سبيل الإيجار لا يمكنه التمسك بهذه القاعدة لأن حيازته للشيء ليست فعلية و إنما حكمية و الأمر كذلك في الحيازة الرمزية فلا يمكن الإستناد إليها لتطبيق هذه القاعدة.  و يجب أن يكون هذا الشيء منقولا و ليس عقارا لأن الحقوق العينية على العقارات لا تنتقل أصلا إلا بالتسجيل أو الشهر في مصلحة الشهر العقاري و بالتالي لا تكفي هذه القاعدة لحماية الحائز و لهذا فإن هذه القاعدة لا تنطبق على المنقولات بحسب المآل لأنها في الأصل عقارات ستتحول مستقبلا إلى منقولات، و كذلك لا تنطبق هذه القاعدة على العقارات بالتخصيص لأنه إذا كانت هي منقولات بطبيعتها إلا أنها تكون تابعة لعقار و من ثم تأخذ حكمه. و تستبعد بعض المنقولات من نطاق تطبيق هذه القاعدة و هي الأموال العامة المملوكة للدولة كالآثار و الأسلحة و غيرها مما يقتصر الحق فيها على الدولة وحدها و كذلك تستبعد من نطاق تطبيقها المنقولات التي تخضع لنظام قانوني خاص في ترتيب حق عيني عليها بالرغم من كونها منقولات و ذلك تطبيقا للمادة (9) من قانون التجارة البحرية. أما السيارات فإن تسجيلها في المرور و الترخيص الضروري لها فهو إجراء لازم لتسييرها و ليس لنقل ملكيتها و من ثم فلا مانع من تطبيق قاعدة الحيازة في المنقول سند الحائز عليها.
2.     توافر السبب الصحيح لدى الحائز لهذه الحيازة: و هذه القاعدة تفترض أن المنقول مملوك للغير و ليس مباحا و أن الحائز لديه سند قانوني أو سبب لحيازته. و لكي يكون هذا السبب صحيحا يمكن على أساسه إكتساب الملكية أو الحق العيني على الشيء المنقول يجب أن تتوافر فيه شروط معينة و هي:
1.     أن يكون تصرفا قانونيا صحيحا و بالتالي لا يكفي لتوافره التصرف الصوري أو الباطل بطلانا مطلقا؛ أما إذا كان باطلا بطلانا نسبيا أي قابلا للإبطال فيصلح أن يكون سندا صحيحا للملكية، و أما التصرف المعلق على شرط فإن الأمر يختلف بحسب ما إذا كان شرطا فاسخا أو واقفا، فإن كان فاسخا فإنه يصلح لكي يكون سببا صحيحا طالما أن الشرط لم يتحقق و أما إن كان واقفا فإنه لا يكون سندا صحيحا إلا إذا تحقق الشرط و من وقت تحققه دون أثر رجعي خلافا للقاعدة العامة في الأثر الرجعي للشرط.
2.     أن يكون هذا التصرف ناقلا لملكية المنقول أو لأي حق عيني آخر عليه و ليس كاشفا عنه فقط و مثل ذلك البيع و الهبة و المقاصة و الوفاء بمقابل و الحكم برسو المزاد على الغير في بيع المال الشائع لعد إمكان قسمته أو البيع الجبري لأموال المدين بواسطة القضاء و كذلك الحكم القضائي بالشفعة إذا كان البائع غير مالك للمال المبيع و الأمر كذلك في القسمة في القانون الكويتي لأان ليس لها أثر رجعي. أما التصرفات الكاشفة عن حق موجود بالفعل كالصلح و الأحكام القضائية في غير ماذكر أعلاه مثل الحكم الصادر في دعوى الإستحقاق التي ترفع لإثبات ملكية المدعي أو حقه العيني في الشيء فإنها لا تكفي لكي تكون سندا صحيحا للحائز.
3.     أن يصدر التصرف من غير صاحب الحق بمعنى أن التصرف يجب أن يصدر من شخص لا ولاية له في إصداره و هذا هو العيب في التصرف الذي جاءت قاعدة الحيازة في المنقول سند الحائز لتغطيته، و من ثم لا يعتبر التصرف الصادر من صاحب الحق سببا صحيحا يجيز للحائز التمسك بهذه القاعدة و بالتالي لو باع شخص منقولا يملكه ثم أبطل البيع لنقص أهليته أو لتعيب إرادته فإن مشتر هذا المنقول لا يمكنه التمسك بهذه القاعدة. و ينطبق هذا الحكم حتى لو كان المالك ممنوعا من التصرف في الشيء تطبيقا للشرط المانع للتصرف. و بالعكس فإن المالك على الشيوع الذي يتصرف في جزء مفرز من هذا المال لا يعتبر مالكا له كله و لا يملك الحق في التصرف فيه و بالتالي إذا أبرم تصرفا فيه نقله إلى الغير فإن هذا التصرف يعتبر سببا صحيحا في مفهوم هذه القاعدة و يستطيع أن يتمسك بتطبيقها. و الحيازة ذاتها تعتبر قرينة على وجود السبب الصحيح و من ثم يعفى الحائز من إثباته و على من يدعي خلاف ذلك أن يثبت إدعائه.
3.     حسن نية الحائز: فيجب لتطبيق هذه القاعدة أن يكون الحائز حسن النية بمعنى أنه يجهل وقت تعامله في المنقول أنه يتعامل مع غير صاحب الحق فيه بمعنى أنه كان يعتقد أنه يتعامل مع مالكه و بالتالي تولدت لديه ثقة مشروعة في إنتقال الحق إليه، و لكن يجب ألا يكون هذا الإعتقاد راجعا إلى خطأ جسيم من جانبه لا يقع فيه الشخص المعتاد و بالتالي يعد سيء النية من يتعامل في منقول منقوش عليه إسم صاحبه كآلة معينة و لكنه يتعامل مع شخص آخر معتقدا أنه صاحب الحق في هذه الآلة، و كذلك من يشتري سيارة من شخص لا يوجد إسمه في رخصة تسييرها لا يعد حسن النية حتى و لو كان يعتقد أن من يتعامل معه مالكها، و كذلك الشخص الذي يتعامل مع آخر و هو يعلم أن سند ملكيته قابل للإبطال أو الفسخ. ووقت توافر حسن النية هو بوقت بدء الحيازة لا بعد ذلك بمعنى أنه ليس من المهم فيما بعد إذا علم أنه تعاقد مع غير المالك. و حسن النية مفترض لدى الحائز و لكن هذا الإفتراض يقبل إثبات العكس بكافة الطرق.
§        أثر قاعدة الحيازة في المنقول سند الحائز:
إذا توافرت شروط هذه القاعدة ترتب عليها أثرين، الأول:
1.     الأثر المكسب للملكية: بمعنى أن الحائز يعتبر مالكا للشيء أو الحق عليه بمجرد الحيازة و بقوة القانون دون أي إجراء آخر حتى و لو كانت الحيازة بدون وجه حق و لا يستطيع صاحب الشيء الحقيقي إسترداده من الحائز و لا يملك إلا الرجوع بالتعويض على من مكن الحائز منه.
2.     الأثر المسقط: و هو يعني أنه إذا كان المنقول محل الحيازة مثقلا بتكاليف عينية مثل الشرط المانع من التصرف أو الرهن، فإن هذه التكاليف تسقط و يتملك هو المنقول خاليا منها تماما بسبب هذه القاعدة.
 
§        إستبعاد هذه القاعدة في حالتي فقد المنقول من صاحبه أو سرقته:
إذا كان المنقول قد فقده صاحبه أو سرق منه فهو أولى به من الحائز و يستطيع إسترداده منه حتى و لو توافرت شروط هذه القاعدة. و يختلف حكم الإسترداد بحسب ما إذا كان الحائز سيء النية أو حسن النية، فإذا كان سيء النية و يكون كذلك إذا كان هو الذي عثر عليه في حالة الفقد أو هو الذي سرقه أو كان يعلم أن الذي نقل حيازته إليه ليس مالكا له و ليس صاحب حق عيني فيه فإن مالك هذا الشيء يمكنه إسترداده في أي وقت مالم تصل المدة إلى 15 سنة حيث يتملك الحائز هذا المنقول ليس وفقا لهذه القاعدة و إنما بما يسمى بالتقادم أي الحيازة مدة طويلة و لا يبقى للمالك في هذه الحالة إلا الرجوع على من نقل حيازته إلى هذا الحائز بالرغم من عدم أحقيته في ذلك.
أما إذا كان حسن النية و هو يكون كذلك إذا لم يكن هو الذي عثر عليه في حالة الفقد و لم يسرقه و لم يعلم أن من نقل حيازته إليه لا يملك هذا النقل حينئذ يجب على المالك أن يرفع دعوى بإسترداد هذا المنقول خلال 3 سنوات من تاريخ فقده أو سرقته دون مقابل يدفعه للحائز، إلا إذا كان الحائز قد إشتراه من سوق أو مزاد علني أو ممن يتاجر في مثله فحينئذ يحق له أن يسترد من مالك الشيء الثمن الذي دفعه فيه و يحق للحائز حسن النية حبس المنقول إلى أن يأخذ ثمنه ممن يريد إسترداده و كذلك يحق له المطالبة بالتعويض من بائع المنقول نظير الأضرار التي أصابته نتيجة فقده حيازة هذا الشيء تطبيقا للقواعد العامة في المسئولية.
ثانيا: التقادم:
يقصد بالتقادم حيازة الشيء مدة طويلة يترتب عليها إما كسب ملكية هذا الشيء أو الحق العيني عليه أو جعل هذه الحيازة دليلا قاطعا على الحق محل الحيازة أو مانعا من سماع الدعوى للمطالبة بالملكية أو الحق العيني محل الحيازة. و قد أخذ القانون الكويتي بنظام التقادم المثبت للحق و هذا بخلاف القانون المصري الذي أخذ بنظام التقادم المكسب للحق و كذلك خلافا للشريعة الإسلامية الذي أخذت بنظام التقادم المانع من سماع الدعوى و نقتصر على دراسة نظام التقادم المثبت للحق في القانون الكويتي.
تنص المادة (935) مدني على أنه "من حاز عقارا أو منقولا ظاهرا عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عيني آخر و إستمرت حيازته خمسة عشرة سنة إعتبرت حيازته دليلا على الحق و يحكم له به إذا أنكرحق الغير فيه و إدعاه لنفسه و لو لم يبين سبب كسبه". و معنى هذا النظام أن الشخص يحوز الحق لأنه مالكه بمعنى أن الحيازة تعتبر دليلا قاطعا على الملكية فهي سند الملكية و دليلها الظاهر و لما كانت الحيازة هي أقوى دليل على الملكية فلا يطلب من الحائز أي دليل آخر و يعتبر الحائز مالكا منذ بدء الحيازة و لا يجوز إثبات عكس ذلك إذا توافرت الشروط الآتية:
1.     أن تكون الحيازة حقيقية أو قانونية بمعنى أن تتوافر فيها الركن المادي و الركن المعنوي و من ثم لا ينطبق هذا النظام في حالة الحيازة العرضية .
2.     إستمرار الحيازة القانونية لمدة 15 سنة سواء كان محل الحيازة عقارا أو منقولا لم تتوافر بشأنه شروط قاعدة الحيازة في المنقول سند الحائز. و لم يأخذ القانون الكويتي بنظام التقادم الخمسي الذي يكسب الملكية بعد مضي 5 سنوات فقط الذي أخذ به القانون المصري.
3.     إنكار واضع اليد الحق على الغير و الإدعاء به لنفسه بمعنى أن التقادم المثبت لا يكسب حقا للحائز بل يدل فقط على أحقيته للشيء الموجود تحت يده و بالتالي يلزم أن يدعي الحق لنفسه فإذا أقر بحق الغير أو إتخذ موقفا سلبيا لم يقر معه بالحق للغير و لكنه في نفس الوقت لم يدعيه لنفسه فلا ينتج التقادم أثره المثبت للحق و لكن يلاحظ أنه لا يشترط أن يقد الحائز دليلا مقبولا على أنه صاحب الحق بل يدعيه فقط لأن الحيازة ذاتها خير دليل على الحق و هذا الشرط مطلوب بعد إكتمال مدة التقادم و ليس قبل ذلك، و يتم هذا الإنكار أمام القضاء إما برفع دعوى على من ينازع الحائز حقه في ملكية الشيء أو يدفع مطالبته بالحق في دعوى مقامة عليه و في أي مرحلة من مراحل الدعوى حتى أمام محكمة الإستئناف و لكن ليس أمام محكمة التمييز، و لا يشترط للإنكار شكل خاص و المهم أن يكون واضحا لا لبس فيه، و نظرا لإتصاله بضمير الحائز فلا يقبل إلا منه شخصيا.
و يراعى هنا أن التمسك بالتقادم كدليل على حق الحائز لا يطبق تلقائيا بل يجب هو أن يطالب بتطبيقه فلا تستطيع المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها و يجب على الحائز أن يتمسك بالتقادم أمام القضاء في صورة دعوى أو دفع و لو أمام محكمة الإستئناف دون محكمة التمييز، و لا يجوز لدائنه التمسك بالتقادم عن طريق الدعوى غير المباشرة بمعنى أنه لا يصدر إلا من الحائز شخصيا لإتصاله بضميره، و يجوز للحاجز أن يتنازل عن التمسك بالتقادم صراحة أو ضمنا و لكن بعد إكتمال مدته لا قبل ذلك.
§        أثر التمسك بالتقادم المثبت:
إذا توافرت شروط التقادم المثبت أعتبر دليلا أكيدا على أحقية الحائز للحق العيني الذي يحوزه و يتعين على القاضي الحكم له به و لا يجوز إثبات عكس ذلك لإعتبارات تتعلق بإستقرارا التعامل و تترتب على ذلك نتيجة أساسية و هي أن التقادم يكون له أثر رجعي بمعنى أن الحائز يعتبر صاحب الحق منذ بدء الحيازة و ليس فقط من إكتمال مدة التقادم، و من ثم تعتبر الثمار التي أنتجها الشيء طوال مدة الحيازة ملكا للحائز سواء قبضها أو لم يقبضها، و الأمر كذلك في الحقوق العينية الأصلية و التبعية التي رتبها الحائز على الشيء خلال مدة الحيازة، تبقى قائمة بإعتبارها صادرة من صاحب الحق، و أيضا تثبت ملكية الحائز للشيء بالوضع الذي كانت عليه عند بدء الحيازة من حيث خلوه من حقوق الغير أو تحمله بها.
 
 
§        تقييم نظام التقادم المثبت للحق:
هذا النظام الذي أخذ به القانون الكويتي يقوم على قاعدتين:
1.     أن التقادم ليس سببا للملكية أو الحق العيني و لكنه دليل قاطع على أي منهما، وهذه القاعدة تبعد شبهة الغصب لكنها خاطئة و الخطأ يتمثل في كونها قاطعة و ليست بسيطة تقبل إثبات العكس؛ معنى ذلك أنها تقر الغصب بطريقة أخرى حتى لو وجد دليل قاطع على أن هناك شخصا آخر هو صاحب الحق و ليس الحائز لأنه لا يستطيع إثبات العكس. فظاهر التقادم المثبت أنه دليل على الحق  و هو في الحقيقة إقرار بالغصب طالما لم يسمح للغير بأن يثبت العكس فهو إذا يتفق مع النظام المصري الذي أخذ بالتقادم المكسب و لكنه يخفى الغصب تحت ستار قرينة الملكية أو الحق القاطعة و بذلك يفضل إستقرار التعامل على حساب مقتضيات العدالة مثل التقادم المكسب.
2.     إنكار الحائز الحق على الغير و الإدعاء به لنفسه لإبعاد شبهة الغصب و مع ذلك يمكن أن يتحقق الغصب مع وجود هذا الإنكار و إدعاء الحائز الحق لنفسه و ذلك لأن كلا من الإنكار و الإدعاء بالحق تصرف إرادي محض و من يدري مدى صدق الحائز أو كذبه في ذلك.
نخلص من ذلك إلى أن التقادم المثبت في القانون الكويتي حقق الإستقرار في التعامل إلا أنه لم ينجح في إستبعاد أو إحتمال الغصب دون أن يقره صراحة مثلما هو الحال في التقادم المكسب للملكية المعمول به في القانون المصري.
 
 
       

  
 
 
 
 
 


[1]  و لذلك، فإن من حسن التصرف أن يسارع مالك المواد بإنذار صاحب الأرض بعدم الوفاء بما هو مدين به لمن أقام المنشآت (نظير تملكه لما إستحدث في أرضه)، لأن له هو أي مالك المواد، في مواجهة من أقام المنشآت حقا في التعويض (حيث أقيمت هذه المنشآت بمواده). و في هذه الحالة يمتنع على صاحب الأرض الوفاء بما عليه لمن أقام المنشآت.